السبت 30 شعبان 1435 هـ - 28 يونيو 2014م -
روحانية شهر رمضان
د.مطلق سعود المطيري
تجربة المشاهدة التلفزيونية في العالم العربي تقول: إن شهر رمضان المبارك هو موسم التنافس في عرض كميات كثيرة من المسلسلات، واسباب ذلك في اغلبها تجارية لتوفر اعداد كبيرة من الجمهور في هذا التوقيت يتسمرون امام القنوات الفضائية، وتلك فرصة يحرص المنتجون استغلالها جيدا لتحقيق عائد مالي مرتفع من خلال بيع منتجاتهم بهذا التوقيت الذي يقدم مناخًا تسويقيًا نادرًا لا يضاهيه في ذلك أي توقيت آخر، المنتج صاحب مهنة واخلاصه الاول لا يتعدى حدودها، والمنتج الناجح هو مؤسسة او فرد لا يحمل اثقالا ايديولوجية يطمح للتخلص منها عن طريق خطه الانتاجي المتصل بذائقة الجمهور، فهو من يبيع ذوق الناس للناس.
رمضان في سلوكيات الناس بشكل عام هو ايام للعبادة والمشاهدة، ولو كان غير ذلك لاستبدل منتجو المسلسلات خيار التوقيت بتوقيت آخر، فالانتاج تجارة تطمح للمكسب وتخشى الخسارة، فخدمة الناس بالنسبة للتاجر تبدأ من جيوبهم، مناسبة هذا الكلام هي الحملات المحمومة المطالبة بمقاطعة بعض القنوات الفضائية، بحجة انها تعرض ما ينافي روحية الشهر المبارك، جميل ان تكون المطالبة بالمحافظة على روحانية الشهر الفضيل، ولكن لاي منطقة من مناطق الرفض ستحملنا اليها تلك المطالبة ؟ بدون مبالغات لن تأخذنا بعيدا عن اهتمامات الناس فهي ليست مطالبات متطرفة أو جديدة، بل هي تجسد ثقافة تحدث بشيء وافعل شيئاً آخر، عارض المسلسلات بالعلن وشاهدها ايضا بالعلن، لتحقق اضعف الايمان تغيير المنكر بالقلب، هنا يكون الخلل حديثًا شاذًا لسلوك شاذ لانتاج سلوك شاذ، ولعل ذلك يقدم حالة الانفراد التي تميزنا عن باقي مخلوقات الله.
الفهم البسيط جدا والذي لا يدخل به اي تعقيد يقول :إن الانسان المسلم لا يخدم اي توجه يعارض دينه وبالتالي لا يشاهد مسلسلات تهدم القيم، فبساطة الفرد العادي هي وحدها القادرة على خلق مرشحات تمنع التعدي على الاخلاق وهذه مسؤوليته التي لا توقع بأختام اصحاب القنوات او اصحاب دعوات الرفض، ومن جرى وراء دعوة المقاطعة عليه ان يتعرف على سلوكه اولا مع هذا القنوات وبعد ذلك يحدد موقفه.
دعاة المطالبة ألم يوجد لديهم صلاة وصيام وقيام وعبادات كثيرة يحرصون على أدائها لكسب القبول عند رب عزيز، أم ان هذا شهر استثمار لمنتجاتهم ايضا كأصحاب القنوات، ولكن ماهو المكسب الذي يسعون لجنيه من هذا الاستثمار ؟ لا شيء سوى صناعة الخصوم، فحياتهم كلها خصومات مستمرة بعضها فوق بعض، المسلسل التلفزيوني خصم ووظيفة المرأة، والرئيس السيسي، ووزير العمل، ووزير التربية والتعليم، اعتراضهم ليس من جنس العمل، لا يعترضون على التعليم بسبب قصور في التعليم او الاعتراض على وزارة العمل لسبب باجراءات الحصول على المهنة، ولا على السيسي لاسباب سياسية، اعتراضهم على كل شيء لانهم يريدون هم ان يكونوا كل شيء، حتى على مفتي المملكة يعترضون لان اعتبارهم الذي يدعون انه شرعي رد عليه المفتي بأكثر من حجة شرعية اسقطت ما بيأيديهم من حجج .
بعض دعاة المطالبة بالمقاطعة يمتلك استديوهات يؤجرها المنتجون لتصوير مسلسلاتهم، وبعضهم الآخر لم نسمع له مطالبة واحدة بمقاطعة الدراما التركية، او تقديم بيان لرئيس الوزراء التركي صاحب التوجه الاسلامي يطالب فقط فيه بتخفيف مشاهد الاثارة وليس المطالبة بالمنع، فالانتقائية في المقاطعة تجعل من امر المقاطعة يتجه لاسباب أخرى ليست دينية، وليست شيئاً آخرَ عقلانيًا، فقط تحزب لفكر المقاطعة من أجل أن يكون هناك قضية تصنع هالة من الضوء المخيف على صانعها، أما المقاطعة في حقيقة امرها تتهم ذوق الناس أكثر من اتهامها لتلك القنوات بمقاطعتها، لا ندافع عن القنوات ولكن دفاعنا عن ذوق الناس الذي يمثل ثقافة المرحلة التي شكلته، بقليل من الاحترام والاعتراف تنصلح الامور.