لن تجد في الدوريات حول العالم تلك الحالة الخاصة التي تجدها في النصر السعودي.. كأنه وجمهور من كوكب آخر.. كأن النصر من أنجب جمهوره ومن أطعمهم ومن يعيشون معه في بيت واحد.. كأنه الأب أو كأنه الأم.. هم معه في كل أحواله.. يزيدون عند الخسارة وعند الفوز أيضاً، فتقف مندهشاً أمام هذا العشق النادر الذي ينسج أحياناً ملاحم، كتلك التي نسجها النصر أمس الأول في مباراته بالجولة العاشرة مع الهلال، والتي فاز فيها النصر بهدفين مقابل هدف، واقتنص الصدارة، وبالحسابات والأرقام ما كان له أن يفوز.
من آن لآخر، أتفرج على عالم الدوري السعودي، بكل ما فيه ومن فيه، ومن زمن شدتني تلك الحالة التي صنعتها أشياء عديدة، صنعها الفريق والجمهور، وشخوص تعاقبوا على النصر، أحبوه أكثر من كل شيء آخر، وصنعوا من تلك المغالاة أسطورة أشبه بحكايات ألف ليلة وليلة، ولعل من أبرز هؤلاء في تاريخ النصر السعودي، كان الأمير الراحل عبدالرحمن بن سعود «أبو النصراويين» وصاحب المقولة الشهيرة «النصر بمن حضر»، التي استحضرها النصراوية أمس الأول في مواجهة الهلال، وطبقوها معنى وأداء في أرض الملعب.
كل شيء قبل المباراة بين الغريمين التقليديين، كان يؤكد أن صدارة الهلال لن تتأثر، فقد تكالبت الظروف على الطرف النصراوي، متمثلة في غياب عدد كبير من اللاعبين، سواء للإصابة أو للانضمام بصفوف المنتخب الأولمبي، وكان المأزق الأكبر في تهديد الثلاثي البرازيلي باستوس وإيلتون وإيفرتون بعدم اللعب إذا لم يحصلوا على مستحقاتهم، وظن الجميع أن الأمر لن يصل إلى هذا الحد، لكن الأمير فيصل بن تركي رئيس النادي النصر خالف التوقعات، أو وافق توقعات النصراوية بالذات، وأكد أنه لا أحد يلوي ذراع الإدارة، واستبعد اللاعبين، واكتفى بالبحريني محمد حسين، إضافة إلى المحليين، وبالرغم من ذلك، فعلها النصر.. فاز بهدفي محمد السهلاوي وقفز النصر إلى النقطة 24 وتصدر جدول المسابقة بفارق نقطتين عن الهلال الذي تراجع للمركز الثاني.
كل هذا وأكثر هو فريق النصر.. تاريخ من العشق للكرة وللنادي، سطره عشاقه قصائد وأغان، من النادر أن تجد مثلها لفريق واحد، فقد نظم من أجله الشعراء القصائد.. غنوا له «نصراوي»، و«الأسطورة»، و«رمز بلادي»، وصدح له الراحل طلال مداح «أحبك يا نصر والله أحبك»، وغنوا له «الهمة الهمة»، و«النصر بمن حضر»، و«حديد يالأصفر حديد» و«نصراوي نصراوي»، و«ذابح جارح يا أسد»، و«شوف الهريفي شوف».
أحياناً لا أجد تفسيراً لتلك الحالة، وعلى الرغم من وجود حالات مشابهة في دورينا أو حول العالم العربي، إلا أن الإنصاف يقتضي أن نقول إنها ليست بهذا العمق وهذا الجنون الآسر، والحكايات حوله وعنه كثيرة، وتحفظ الصحف واليوتيوب مقاطع لهذا العشق الاستثنائي، الذي دفع محللاً شهيراً ذات يوم أن يعلن خشيته وخوفه على الجيل الجديد من شيء واحد، هو ألا يشجعوا النصر، وكأنه أول طريق الشباب وآخر طريق الكهول.
فعلها النصر.. جرح وذبح.. فعلها النصر وانتصر على الغريم، وضرب في الصميم، وباتت جماهيره قريرة العين، تحلم بفارسها، رمز الإباء، عشقها في الصباح وفي المساء.
كلمة أخيرة:
تحية لجماهير النصر في كل الأحوال.. تحية لمن يعلمون الجمهور كيف يكون الجمال
مقالة للكاتب محمد البادع عن جريدة الاتحاد الاماراتي