كنت أقلب صفحات الإنترنت، وفي تلك الأثناء وجدت مجموعة كبيرة من الناس تشتكي الدنيا وهمومها وأحزانها ومشاكلها والتغيير الحاصل في الحياة، وكلهم الفاصل المشترك بينهم أنهم يشتكون فقط من أجل الشكوى والتذمر والتضجر دون أن يقدموا خطوة واحدة للأمام، لتصحيح الأخطاء بالتغيير المستمر، وإيجاد الحلول الجذرية لشكاواهم ومشاكلهم.
والتغيير هو سنة من سنن الحياة التي أوجبها الله، عز وجل، على كل شيء، لأن الشيء المتغير إنما يتغير، لأنه يستمد وقود حركته من متغير، فلا يوجد شيء في الكون كله ثابت إلا الله، تبارك وتعالى، فإنه الحقيقة الثابتة التي لا تتغير، وكل شيء يستمد منه، فهو ثابت أيضاً لا يتغير.
ومنذ أن هبطت رسالات السماء انقسم الناس إلى فئتين متناقضتين في الفهم والنظر إلى الحياة، وما فيها من مال ومتع ولذات وعلاقات اجتماعية وارتباط نفسي بالأشياء، فأرخ القرآن لتلك الظاهرة بقوله «كان النّاسُ اُمّة واحدة فبعث الله النبيِّين مبشِّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه».
مسكينة أيتها الدنيا، على الرغم أنك ثابتة، ولم تتغيري ومع ذلك يشتكون منك، متناسين أنهم هم من تغيروا، فتغيرت عليهم الدنيا وزادت ظروفهم وساءت أحوالهم وتراكمت مشاكلهم، ومن يعمل ويجتهد ويتمنى التغيير الأحسن والأفضل، ليتربع على أعلى المراتب الدنيوية، فيلزمه العمل الدوؤب، ليصل إلى مبتغاه وغاياته، والأكيد من يعمل لا بد أن يخطئ ويصيب، ولأننا نملك سمة بشر، فالخطأ وارد ولا بد أن يعترينا بين الفينة والأخرى، يعني بصريح العبارة كلنا ذو خطأ، وخير الخطائين من يملك الشجاعة ويعترف بخطئه، ثم لا نحمل أخطاءنا على الغير.
يا جماعة، لماذا بعض الناس يرمون أخطاءهم وزلاتهم على الدنيا، ثم على الظروف والزمان والمكان وينسون أنفسهم، وأنهم السبب الرئيس في تراكم الأخطاء دون تصحيح للخطأ وإيجاد الحلول المناسبة؟ ثم يردد جل هؤلاء بملء فيهم بقولهم: يا الله لقد تغيرت الدنيا علينا والظروف لم تسمح والوقت لم يكن مناسباً والمكان لا يؤهل للعمل!
صدقوني الدنيا مسكينة ولم ولن تتغير، فلماذا إذاً نظلمها ونتجرأ عليها؟ ألسنا نحن الذين تغيرنا على الدنيا، فلماذا نظلم الدنيا والظروف؟
ولنسأل هؤلاء لماذا نحمل الدنيا ما لا طاقة لها في كل شيء؟ فالدنيا ثابتة ونحن متحركون وكلما تغيرت أخلاقنا ومبادئنا تغير كل شيء حتى أصبح محبطاً لنا للعمل، لأننا لم نعترف بالخطأ أولاً، ثم إن الدنيا ليست بعاقل حتى ندرك ونغيرها حسب أمزجتنا وأهوائنا ثانياً.
والقلوب والأخلاق والنفوس والمبادئ هي التي تتغير أما غير ذلك فهو ثابت، والقرآن العظيم أعظم دستور للمعاملات عرفه الإنسان عبر العصور، حيث الآداب الربانية الرفيعة والأخلاق التي إن طبقناها لأصبحنا خير أمة أخرجت للناس، وإن أساس مشكلة تخلف المسلمين، هو جهلهم عن قوله تعالى «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».
ومضة: الإسلام يقرر ثبات الخلق، ويوجبه، وينشئ النفس عليه، ويجعله في حياطة المجتمع وحراسته، لأن هناك حدوداً في الإنسانية تتميز بحدود في الحياة، ولا بد من الضبط في هذه وهذه، حتى لا يكون وضع إلا وراءه تقدير، ولا تقدير إلا معه حكمة، ولا حكمة إلا فيها مصلحة، وحتى لا تعلو الحياة ولا تنزل إلا بمثل ما ترى من كفتي ميزان شدتا في علاقة تجمعهما وتحركهما معاً؛ فهي بذاتها هي التي تنزل بالمنازل لتدل عليه، وتشيل بالعالي لتبين عنه؛ فالإسلام من المدنية هو مدنية هذه المدنية، فليكن دائماً شعارنا، نحن الشرقيون، هذه الكلمة: أخلاقنا قبل مدنيتهم