|
التميز خلال 24 ساعة | |||
العضو الأكثر نشاطاً هذا اليوم | الموضوع النشط هذا اليوم | المشرف المميزلهذا اليوم | |
فارس البقمي |
ذهٌٍîًàيû è êàôه
بقلم : bozRoabs |
قريبا |
|
|
|
|
|
|
|
#1
|
|||||||
|
|||||||
بعد مرور أكثر من 700 عام :
قصة سقوط بغداد، عاصمة الدولة العباسية الثانية، قصة مثيرة للشجن والأسف والرهبة، وفوق كل هذا..الدهشة. صحيح أن القانون الطبيعي الذي يسير به التاريخ يقضي بسقوط الدول والامبراطوريات كلما اتسعت رقعتها الجغرافية، وطال عمرها الافتراضي، وتشعبت أطرافها، وكثرت مراكز القوى داخل بلاط حكمها؛ إلا أن قصة سقوط العرب في بغداد له وضع خاص جدا، ربما لأنها ارتبطت بالهجوم المغولي على المشرق العربي، والمغول كما أوضح المؤرخون أغرب ظاهرة عرفها التاريخ البشري، وربما لأنها أبلغ رمز للأمة حين يبلغ بها الهوان مبلغه، وتصبح كما يقولون بلغة الشعراء أضعف من الضعف نفسه. وقد يكون السبب في ذلك أن ملابسات السقوط، ونقصد الظروف الداخلية للبيت العباسي، تثير فينا الدهشة من حال أمة استمر الدعاء لها من على المنابر ما يزيد عن خمسمائة عام لتسقط بعدها بكل سهولة وخزي أمام الزحف المغولي دون أدنى محاولات جادة للصمود والمقاومة. نقولها بطريقة مختلفة بعض الشيء، ما السبب أو أجدى الأسباب التي جعلت بغداد تقع بكل سهولة في أيدي المغول؟ الطبيعي أن يكون هناك قدر من المقاومة، فترة من الصمود، عناد، إصرار على البقاء والحياة، غريزة ورغبة في الحفاظ على الكرامة والشرف والعزة. لكن ما حدث وما يرويه لنا الرواة شيء مختلف تماماً. أول أسباب السقوط كان يتعلق بخليفة المسلمين في ذلك الوقت، وهو المستعصم، آخر خلفاء بني العباس. كانت حالته وتركيبته الشخصية، مثلها مثل الدولة التي يقوم على أمرها، حيث الضعف والهوان وانعدام الخبرة بالحكم والقيادة، والاعتماد على الموالي في تسيير أمور الدولة، وفوق كل هذا، الانغماس في الملذات وليالي الغناء حتى الثمالة. ويصف لنا ابن طباطبا في كتابه "الفخري في الآداب السلطانية" شخصية المستعصم الذي حكم المسلمين من 640 إلى 656 هـ (1242 1258م)، قائلاً: "كان رجلاً متديناً، لين الجانب، سهل العريكة، سهل الأخلاق، ضعيف الوطأة (رحيماً بالآخرين)، إلا أنه كان مستضعف الرأي، ضعيف البطش، قليل الخبرة بأمور المملكة، مطموعا فيه، غير مهيب في النفوس، ولا مطلع على حقائق الأمور، وكان زمانه ينقضي أكثره في سماع الأغاني، والتفرج على المساخرة. وفي بعض الأوقات يجلس في خزانة الكتب جلوساً ليس فيه كبير فائدة، وكان أصحابه مستولين عليه، وكلهم جهال من أراذل العوام"، ولم تكن مثل هذه الصفات، إلى جانب الشغف والهيام الشديد بالراقصين والراقصات، من الإدعاءات التي يرى البعض أن الرواة قد ألصقوها ظلما وعدوانا بالخلفية المستعصم؛ فالمصادر الصينية التي تناولت الحقبة المغولية وهجومها على المشرق الإسلامي تقول إن هذا الخليفة كان "سماعا للموسيقى، معتقداً بقدرتها على تخفيف آلام صداع رأسه". وحين كانت تأتيه أخبار الانتصارات الساحقة التي يحققها المغول يوما بعد يوم، وبعد أن ترفع إليه التقارير التي تتحدث عن الفظائع التي يرتكبها القادمون من جهة الشرق، يأتي رده الوحيد: "أنا بغداد تكفيني ولا يستكثرونها لي إذا نزلت لهم عن باقي البلاد، ولا أيضا يهجمون علي وأنا بها، وهي بيتي ودار مقامي"، بمعنى آخر، كان لديه الاستعداد التام للتنازل عن التركة العباسية التي تمتد شرقا وغربا في مقابل أن يحتفظ ببغداد، ولحظتها تختزل الدول العباسية صاحبة أطول شهادة ميلاد في تاريخ الحضارة الإسلامية (من 12 ربيع الأول سنة 132 هـ 749م إلى أوائل صفر 656 هـ 1258م) في مجرد مدينة واحدة. ولم يكن ضعف شخصية الخليفة وانعدام كافة مقومات الحكم والقيادة لديه السبب الوحيد لسقوط بغداد كالثمرة اليانعة في أيدي المغول، كان هناك أعراض المرض الإداري الذي دب في أوصال نظام الحكم وساساته، فمن ناحية، ضعفت السلطة المركزية ووهنت بسبب دسائس الموالي وسيطرة العنصرين التركي والفارسي على عملية صنع القرار، وهي العملية التي كان وجهها المطامع الشخصية التي تدار من داخل السراديب المظلمة أو في مخادع النساء، وظهرها الصراع الطائفي والمذهبي. وكما كان هناك خلاف حاد بينهما في المسائل الإدارية، كان هناك خلاف أكثر حدة في طريقة مواجهة الخطر "الهولاكولي" المرتقب، فحين وصلت رسالة من هولاكو يقول فيها للمستعصم: ".. فإني متوجه إلى بغداد بجيش كالنمل والجراد"، جمع كبار رجال دولته لاستشارتهم في الأمر. كان رأي الوزير ابن العلقمي أن يرسل الخليفة الهدايا والأموال والتحف الثمينة إلى هولاكو مع رسالة اعتذار واستلطاف تخفف من غلوائه واصراره على المضي قدما صوب بغداد. بل وأشار ابن العلقمي إلى ان يردد اسم هولاكو في خطب الجمعة من المنابر جنبا إلى جنب مع اسم الخليفة، وينقش اسمه على العملة الرسمية للبلاد، لكن الدواتدار الصغير كان رأيه مختلفاً تماما؛ إذ رأي ضرورة الإعراض عن آراء ابن العلقمي أولا ثم التوجه لملاقاة الغزاة والتصدي لهم وجها لوجه ثانيا. * والجيش: لم يكن هناك كيان حقيقي منظم يمكن أن يطلق عليه وصف "جيش" وتوكل إليه مهمة التصدي للجيوش المغولية الجرارة. ويقول الرواة أن الفصل الأخير من الحقبة العباسية قد شهدت إهمالا مخزياً بأمور الجيش، سواء من حيث تجديده أو تدريبه أو تزويده بالعتاد والأسلحة، ناهيك في ذلك عن الانشقاق الطائفي الذي استشرى في صفوف الجيش، وسيطرة العناصر المملوكية وقوة شوكتهم، حتى إنهم كانوا يدينون بالطاعة لسيدهم أكثر مما يدينون للخلفية ذاته. وهناك طائفة من المؤرخين ترجع أسباب انهيار حالة الجيش إلى الخليفة ووزيره العلقمي، فالأول موصوف بحبه الشديد للمال وبخله القح في الإنفاق على شئون الدولة، والثاني كان يحاول توفير الأموال حتى لا تكون خزانة الدولة خاوية جائعة، غير أن البعض الآخر يرجع السبب إلى رؤساء المماليك، وتحديداً شرف الدين اقبال الشرابي، قائد المماليك، والداودار الصغير، والاثنان كان لهما دور ضالع في التخلص من العناصر المختلفة التي كان يتألف منها قوام الجيش وقصره على العنصر المملوكي فقط حتى تكون له الكلمة الأولى والاخيرة. كان الجو إذاً ملبداً بالصراعات والمنافسات المرة التي استهلكت طاقة الأمة وجهدها إما في مراضاة أطرافها أو تصفيتهم. وينطبق نفس الأمر على الصراعات التي كانت قائمة بيت الأقطار الإسلامية، وتحديداً في مصر والشام، فصعوبة الموقف الذي تواجهه الدولة العباسية كان كفيلا بطلب الخليفة للمدد والعون من الأقطار المجاورة، وهو ما حدث بالفعل؛ غير أن كافة نداءاته ماتت قبل أن تعبر بوابة قصر الخليفة. فمن ناحية الشرق، حيث سوريا ومصر، دب صراع عنيف دموي بين الأيوبيين في الشام والمماليك في مصر، وازدادت حدة الصراع بعد تأسيس المماليك دولتهم في مصر. لذلك، كان من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن يلتفت أحد لنداءات الغوث الآتية في صوت مبحوح من بغداد المتهاوية.ومن ناحية الغرب، كانت كل الأقطار الإسلامية، من الحدود الشرقية لتركستان وحتى تخوم العراق، متورطة في صراعات ومواجهات عنيفة مع المغول في محاولة لصد هجمتهم الشرسة، وينخر سوس التفتت والتفكك في عضد الأمة العباسية، ويكون الجو مهيأ في أفضل أحواله للخونة كي يقوموا بدورهم اللئيم اللعين في القضاء على كل من يقف في وجه أطماعهم أو أحقادهم. ويذكر في هذا الشأن اسم "نصير الدين الطوسي"، الوزير الذي كان يكن كل كراهية للخليفة، وهي كراهية دفع المسلمون ثمنها من أرواحهم وشرفهم. يقول الرواة إن هولاكو في تقدمه نحو بغداد استدعى "نصير الدين الطوسي"، وأخذ يستشيره في ما ابداه الفلكي حسام الدين من تنبؤات حول المصائب التي ستقع في حالة دخول بغداد. عارض الطوسي كل ما قاله الفلكي حسام الدين، وبذل جهداً رائعا في إقناع هولاكو بأنه لا خوف على الإطلاق من الهجوم على بغداد، بل أكد له أن الطريق إلى مدينة السلام مفروشاً بالورود، وأنها كالثمرة اليانعة مهيأة للسقوط دون عناء يذكر. وكانت آراء الطوسي بمنزلة الدعائم التي قامت عليها خطة هولاكو في الهجوم على العراق، وهي خطة قامت على أساس تحريك الكتائب والفصائل المغولية لتطويق بغداد من كل جانب. وتشتد رائحة الخيانة لتزكم أنوف الجميع، إذ تتحدث المراجع التاريخية عن موظفين عسكريين من موظفي الخليفة المستعصم، هما ايبك الحلبي وسيف الدين القيليجي، لهذين الموظفين قصة عجيبة تنم عن مدى الانحلال الذي حل بالنفوس فتبدلت وخلعت دينها وشرفها وعروبتها لتنضم إلى صفوف الغزاة دون أدنى وجع في الضمير. فقد أوفد الدوادار هذين الموظفين لاستكشاف الطرق والدروب التي سيسلكها عند ملاقاة هولاكو. ولأسباب ما، لم يتناولها الرواة تلميحاً أو تصريحا، تحول الموظفان عن مهمتهما، وقررا الاتجاه إلى القائد المغولي "بايجو" وعرضا خدماتهما الثمينة عليه، وبالطبع، كان ما كان. هل يمكن القول إذا إن نجاح المغول في اختراق البيت العباسي يرجع في الأساس إلى عوامل داخلية يتحمل مسئوليتها العرب قبل أي طرف آخر؟ هل يمكن الإدعاء بأن هولاكو كان محظوظاً في تحقيق حلم أجداده بفتح بغداد، وتدمير واحدة من أرقي الحضارات التي عرفتها الإنسانية عامة، والأمة الإسلامية خاصة. م0ن |
|
|
|
|
|
|
|
ادارة المنتدى غير مسؤوله عن التعامل بين اﻻعضاء وجميع الردود والمواضيع تعبر عن رأي صاحبها فقط |
|
|