محمد بن علي الهرفي
الحديث عن حقوق المرأة في مجتمعنا لا يكاد يتوقف، والاختلاف حول هذه القضايا كبير جدا، وقد كان لهذه الحقوق مكان في مهرجان الجنادرية الحالي، حيث أقيمت ندوة تحت عنوان: (قضايا المرأة السعودية)، وكانت في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، وقد أكدت بعض الحاضرات أن حقوق المرأة كفلتها الشريعة الإسلامية، وأنه لا داعي للمطالبة بحقوق مكفولة بالشريعة، لكن فريقا آخر من الحاضرات رأين أنه لا بد من قرار يضمن تلك الحقوق.
اتفق مع الرأي القائل إن الإسلام كفل حقوق المرأة، ولكني أجزم أن هناك ممارسات خاطئة ضد حقوق المرأة لا تتفق مع الإسلام، وأنه بالتالي لا بد من وضع ضوابط أو توجيهات مباشرة للأجهزة التي تتعامل مع قضايا المرأة للإسراع في إنجازها ضمانا لهذه الحقوق ومراعاة لوضع المرأة في بلادنا، وأبرز هذه الجهات المحاكم والشرطة.
يصعب الحديث عن كل حقوق المرأة التي تحتاج إلى علاج سريع ودائم في مقال واحد، ولهذا سأتناول أهم تلك القضايا، ومنها: قضايا العنف الأسري، والطلاق وتوابعه، والاعتداء على حقوق المرأة المالية، وكذلك قضايا العمل والزواج.
هناك قوانين تتناول قضايا العنف ضد المرأة، وهي جيدة في عمومها، ولكن القضاء وهو الجهة الأهم الذي يتعامل مع هذه القضايا وغيرها مثل الطلاق والعضل والخلع، فالمرأة المعنفة سواء أكانت زوجة أم ابنة أو أختا وأحيانا قليلة قد تكون أما تلجأ ــ وليس دائما ــ إلى الشرطة، وهنا قد تأخذ إجراءاتهم وقتا طويلا، وربما تحال بعد ذلك إلى المحاكم، وبعض القضاة لا يتعاملون مع هذه القضايا بما تحتاجه من سرعة وحسم مراعاة لظروف المعنفة التي تعيش غالبا في بيت من اعتدى عليها، ولنا أن نتخيل الظروف السيئة التي ستتعرض لها المرأة في مثل تلك الظروف!! وأعتقد أنه يجب تخصيص دائرة في الشرطة لهذه القضايا، ويكون القائمون عليها مدربين على التعاطي مع هذه القضايا، ومثل ذلك يجب أن تفعل المحاكم بشرط أن يتم إنجاز هذه القضايا في مدة لا تزيد على أسبوع، وأرى أن تخصص وزارة الشؤون الاجتماعية سكنا ملائما لأي معنفة حتى تنتهي قضيتها هذا إذا رغبت في ذلك.
من حق المرأة أن تطلب الطلاق من زوجها، خصوصا إذا كان هناك ما يبرر ذلك، ونحن نعرف أن عدم قدرتها على العيش معه سبب كافٍ لطلب الطلاق منه، كما أن من حقها خلعه، وهناك ضوابط لذلك ليس منها موافقته على الخلع، كما أن ليس من حقه استغلالها مقابل هذا الخلع، وهنا ــ مرة أخرى ــ على القاضي أن لا يؤخر البت في هذه القضايا بذريعة أن المرأة قاصرة لا تعرف مصلحتها، إذ قد يكون في التأخير إضرار بالمرأة فوق أنه لا يصح النظر إلى المرأة على أنها لا تعرف مصالحها، فهي ــ كما أعتقد ــ أعرف بمصالحها من غيرها، وأنها لم تلجأ للقضاء أو الشرطة إلا بعد أن استنفذت كل الطرق الأخرى، وفاض بها الكيل، وأصبحت حياتها مع زوجها بالنسبة لها جحيما لا يطاق.
قضايا العضل أصبحت قليلة جدا في مجتمعنا، ومثلها قضايا إرغام الفتاة على الزواج بمن لا ترغب، وإذا وجدت، فالتعامل معها يجب أن يكون حازما، وأعتقد أن ما فعله قاضي مدينة العلا، حيث زوج فتاة دون موافقة أهلها كان جيدا، كما أعتقد أن سجن أخيها الذي هدد القاضي بقتله كان عادلا؛ على الرجال أن يعرفوا أنهم لا يملكون النساء كما يملكون أي متاع آخر، وأن كون أحدهم محرما لقريبته لا يعطيه الحق في استعبادها أو معاملتها بصورة سيئة!! من مستلزمات القوامة المعاملة الحسنة، وبدون ذلك لا يحق للرجل ادعاء حقه في القوامة، بل يجب أن تنزع منه.
هناك نساء مطلقات أو أرامل وهن في أمس الحاجة للمساعدة، وكثيرات منهن لا يجدن من يقف معهن ويطالب مؤسسات الدولة بالإنفاق عليهن بشكل كافٍ وبصورة جيدة!! وهنا أتساءل: أين عضوات مجلس الشورى وأين دورهن في الوقوف إلى جانب هذه الحقوق وغيرها من الحقوق المغيبة للمرأة؟ الواضح أنهن لا يتحركن في هذه الجوانب، مع أنها أهم بكثير من أشياء أخرى يتحدثن عنها كثيرا، صحيح أن هذه القضايا يجب أن يتحدث عنها الرجل، ولكن وجود عضوات في الشورى يضع عبئا أكبر على المرأة، ونأمل أن نرى تحركا إيجابيا للقضاء أو التقليل من معاناة المرأة في مجتمعنا.
قضايا العمل وأماكنه والاختلاط فيه، وكذلك قضية قيادة المرأة للسيارة، من القضايا المهمة التي يكثر الحديث عنها، ولعلي أتناولها في مقال آخر ــ إن شاء الله.
إذا اعتقد الرجل أن المرأة جزء منه، وأنه لا يستطيع العيش بعيدا عنها، وأن الإسلام أمره بحسن معاملتها في كل الظروف، كما أن أخلاق الرجولة والمروءة تلزمه باحترامها، عندها لن نتحدث عن سوء معاملة المرأة في مجتمعنا؛ لأنها ستختفي تماما!! وهذه مسؤولية التعليم في كل مراحله، وكذلك مسؤولية الأسرة، والمساجد، ووسائل الإعلام، ولعلنا نرى قيام كل جهة بواجبها كي تستقر حياتنا ونعيش بسعادة ويتفرغ الكل لبناء مجتمعهم والعمل على نهضته.