المؤمن القوي خير وأحب إلى الله - نادي النصر السعودي شبكة جماهير الوفاء
       
   

إضافة إهداء

   
التميز خلال 24 ساعة
 العضو الأكثر نشاطاً هذا اليوم   الموضوع النشط هذا اليوم   المشرف المميزلهذا اليوم 
فارس البقمي
زًَèٌٍè÷هٌêèه ٌîâهٍû
بقلم : bozRoabs
قريبا
       
العودة   نادي النصر السعودي شبكة جماهير الوفاء > المنتديات الاسلامية > المنتدى الإسلامي
       
المنتدى الإسلامي يحتوي المنتدى الإسلامي عن مذهب اهل السنة والجماعة .. وبكل القضايا الاسلامي .. مقالات اسلامي .. مواضيع اسلاميه .. احاديث نبويه .. احاديث قدسية .. ادعية مختاره

 
       
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
       
#1  
قديم 03-21-2015, 11:15 PM
almaestro
وفـي
almaestro غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 995
 تاريخ التسجيل : Jan 2010
 فترة الأقامة : 5420 يوم
 أخر زيارة : 03-21-2015 (11:17 PM)
 المشاركات : 47 [ + ]
 التقييم : 50
 معدل التقييم : almaestro will become famous soon enough
بيانات اضافيه [ + ]
Awt2 المؤمن القوي خير وأحب إلى الله



بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المؤمن القوي خير وأحب إلى الله
يقول الله تعالى: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) (فصلت 14).
القوة مطلب ضروري في وجود الإنسان وحياته، فرديا وجماعيا وحضاريا. بها يقوي بنيته ويشد أزره، ويذلل الصعاب، ويحمي وجوده وكيانه، ويبني أمجاده ويحقق طموحاته وآماله. هذه حقيقة ثابتة بالسنة الإلهية في الحياة البشرية لا يختلف الناس حولها.
لكنهم يختلفون مذاهب شتى في مفاهيم القوة والضعف وتصرفاتهم بينهما:
فمنهم من يرون القوة في إقبال الدنيا عليهم بمتاعها، ومنهم من يرونها في مناصب السلطة والجاه، وآخرون يبتغونها في كثرة المال والولد، وآخرون تقترن عندهم بممارسة البغي والقهر والجبروت، وغيرهم يرونها في سلوكات المكر والخداع والتلون بحسب الأهداف والظروف..
لكن المسلم لا يصوغ مفاهيم القوة ومقاصدها من أهواء نفسه وأوهام تفكيره، وإنما يستمدها من حكمة شريعة الإسلام الذي ارتضاه الله له عقيدة وشريعة ورسالة ربانية متميزة وممتازة، مثلما يستمد منه كل مفاهيم الحياة وقواعدها فضلا من الله ونعمة (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس 58).فليست حقيقة القوة في متاع الدنيا ومظاهرها المادية التي يتنافس الناس فيها ويتباهون ويكيد بعضهم لبعض ويعلو بعضهم على بعض، لأن كل ذلك مجرد وسائل لا تجدي وحدها بغير وجود إنسان قوي حقيقة، في مختلف مقومات شخصيته ماديا ومعنويا، في نفسه وقلبه وعقله وأخلاقه ومنهج حياته.
اذا القلب لم ينجدك في كل موطن *** فما السيف إلا آلة حملها إِدٌ
ولقد عني الإسلام بالقوة الحقيقية الرشيدة والفاعلة إيجابيا في إعداد الإنسان السوي الصالح، وبناء الأمة الراقية المهيبة، من خلال التكامل والتوازن بين مصدرين جوهريين للقوة:
مصدر القوة المعنوية الروحية المرتبطة بالعقيدة والإيمان.
ومصادر القوة المادية، في العمل بالأسباب والوسائل اللازمة في كل مجال.
ومتى اجتمع هذان العنصران في حياة المسلمين أفرادا وجماعات، أصبحوا حتما كما كان أسلافنا في الماضي أمة القوة والتمكين والعزة. وبغير تلك العوامل تضيع الجهود وتتيه النفوس في طلاب أشكال القوة المفسدة والمدمرة، وتغدوا الأمة ضعيفة ضائعة ومهينة.
وهل يشكو واقع المسلمين اليوم إلا من التفريط في عناصر القوة الرشيدة التي أوجدهم الإسلام بها وعليها أول مرة، وحذرهم من ضياعها، فتبددوا بقدر ما بددوها (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الانفال 46) وما تشكو الأمة اليوم من قلة العدد وهي تربو على المليار من المسلمين، ولا من الخيرات المادية وهي وافرة. إنما تشكو من أوبئة الوهن، التي تسربت إلى كيانها فأصابتها بالغثائية التي حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- منها: ((.. بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن" قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت)) [رواه أبو داود، وصححه الألباني].
لقد تبلورت مفاهيم القوة الإيجابية الرشيدة في كثير من آيات القرآن الكريم، مقرونة بالأقوال والأفعال والأحوال في سير الأنبياء والصالحين، لتكون أمثلة وقدوات في بناء قوة المسلمين معنويا وماديا، مصحوبة غالبا بضوابط إيمانية خلقية من لوازمها كالصدق و الأمانة، كما في قول يوسف -عليه السلام-: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف 55) أو قول ابنة الرجل الصالح تزكية لموسى -عليه السلام-: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ، إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) (القصص 26).
وفي مقابل ذلك كان ذم القرآن وإدانته لمفاهيم القوة الطاغية الجائرة وممارساتها عند أصحابها من الطغاة والكفار والفجار. كما في سير النمرود وفرعون وهامان وقارون، وأقوام جلبوا على أنفسهم الهلاك بطغيان القوة الظالمة: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) (فصلت 14).
واهتمت السنة النبوية على صاحبها -الصلاة والسلام- بمفاهيم القوة الرشيدة في كثير من التعاليم والتوصيات النبوية التي يربي بها أصحابه على فعالية القوة البانية لشخصياتهم الدينية والدنيوية، في الإيمان والعبادة والأخلاق والأعمال والمعاملات. ومن ذلك الحديث الذي رواه عنه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَر اللَّه وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)) [رواه مسلم وغيره]. حديث من جوامع كلمه -عليه الصلاة والسلام-، يصوغ نصيحة غالية في دعوة صريحة للأمة، أفرادا وجماعات الى امتلاك أسباب القوة المطلوبة والمحمودة في كل شيء، مادية ومعنوية، ويوازن في الفضل بين المؤمن القوي والمؤمن الضعيف، وإن كان في كل منهما خير، بجامع الإيمان. إلا أن المؤمن القوي يمتاز بكونه أفضل وأحب إلى الله تعالى، ولا غرابة فإن الله القوي العزيز، يحب أن يرى عباده المؤمنين على القوة العزة (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) ولا يرضى لهم الضعف والعجز والتقاعس في طاعته وعبادته، ولا في مواجهة أعباء الحياة، أحرى في البناء والاصلاح والاعمار و مقاومة الأعداء والظلم والطغيان.
وفي بقية الحديث توصيات نبوية ثمينة، ترغيبا في أسباب القوة و تحذيرا من أسباب الضعف، ومن ذلك حضه على الإرادة العازمة في الحرص على طلب كل ما فيه خير ونفع للدين والدنيا، مشفوعا بيقين التوكل على الله تعالى: ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله)) وينهى عن دواعي العجز والتقاعس والتواكل والتحسر على ما فات؛ لأنها من مظاهر الضعف والانهزام النفسي (ولا تعجز، ولا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا)، ويحض على الإيمان بالقضاء والقدر الذي لا ينفع معه حرص ولا ندم، حتى لا ينسى المؤمن إرادة الله ومشيئته، ولكنه إيمان وتسليم بغير تعليق الإرادة على القدر؛ لأن ذلك فعل العاجزين الذين يحيلون فشلهم على المقادير دون عمل بالأسباب، فيكونون ضحايا الوساوس الشيطانية حسرة وندما(ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان).
إن قوة المؤمن تفهم ضمن مجموع مقومات خيرية الأمة الاسلامية، تميزا وامتيازا على سائر الأمم (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ولها حقائقها وتجلياتها في كل مكونات شخصيته ماديا ومعنويا:
فالمؤمن القوي، قوي في إيمانه الذي يستند إلى عقيدة راسخة في التوحيد، لا يهزمه الشيطان فيها بدسائس الشرك والضلال، ولا يضعف أمام أهوائه وشهواته. وتكون مظاهر قوته في كل شيء من أفعاله واقواله وأحواله، حية وفاعلة، بقدر قوة إيمانه الذي يغذي طاقاته الروحية والمعنوية في عزيمته وهمته وثباته وتضحياته وصبره (فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ) (آل عمران 146).
والمؤمن القوي يكون قويا في عزائم الطاعات والعبادات، تحدوه محبة لله - تعالى -إلى المسارعة في نيل رضاه ورضوانه، لا يشغله شاغل دنيوي عن ربه، ولا يتخلف تقاعسا ولا تفريطا عن مواعيده معه في الصلوات والأوراد وغيرها، لكونه لا يجد سكينة روحه ولا طمأنينة قلبه، ولا لذة وجوده إلا في ذكره وشكره وحسن عبادته، متمسكا تمسكا قويا بمنهج السنة في غير ابتداع ولا انحراف، مقبلا على ربه بكل صدق وإخلاص، منكسرا بين يديه بمعاني العبودية المطلقة (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 162).
والمؤمن قوي في أخلاقه الفاضلة لأنها من تمام إيمانه، وبرهان استقامته و حلية فضيلته وتقواه، كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أكمل المؤمنين ايماناً أحسنهم خلقاً)) [رواه الترمذي، وقال الألباني: حسن صحيح]. لذلك فهو ثابت على خصال الفضيلة، في السراء والضراء، ومع الصديق والعدو، لا يحول عنها بداع من الأهواء والاطماع ولا يزول. وما كانت قوة الدعوة النبوية وقدوتها المقنعة إلا على أساس خلقي (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4)) [القلم] (.. وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ..) (159)) [آل عمران]، وما انتصر الإسلام على الباطل وانتشر في بقاع الأرض إلا على يد من تسبقهم سمعة أخلاقهم الربانية السامية إلى الناس، فتكون لهم بدائل للفتوحات الجهادية في كثير من بلاد آسيا وأوربا.
والمؤمن القوي هو كذلك في إرادة الخير والمبادرة إليه بالأقوال والأفعال، وذلك من قوة إيمانه وخلقه. يعمل بمقتضى النصيحة بين المسلمين، قويا بجرأته في قول الحق والانتصار له، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويسارع في أعمال البر والإحسان، لا يثنيه عن ذلك ما قد يصيبه من إذاية الناس بأيديهم أو ألسنتهم، لأنه لا يريد من أحد جزاء ولا شكورا، إنما يرجو ما هو موعود عند الله من ثواب الحسنى وزيادة لأهل الإحسان (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [يونس: 26].
والمؤمن القوي لا يهمل قوته الجسمانية، بل يرعاها وينميها بالرياضات والأعمال ليمتلك القدرة واللياقة البدنية على تحقيق النفع لنفسه وللمسلمين في ميادين العمل والعون والجهاد وغيرها. وهنا تتكامل قوة الإيمان وقوة الأبدان.
كما لا يهمل أسباب القوة الفكرية والعلمية والمالية، فإنها قوام الحياة والنماء والتدافع الحضاري. وحسبنا أن أول ما أنزل على هذه الأمة ليكون أساسا ومنطلقا لوجودها ونمائها وبقائها، هو رسالة (اقرأ) ثم كان دستورها المشتق منها (القرآن)، مصدرا ومنبعا لكل خير تعيش عليه، وهو الذي يشيد بالعلم وفضله ودوره ومكانته في الدين والدنيا (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ‏[‏الزمر‏: ‏9‏]‏‏.
كما يشيد بدور المال وضرورة كسبه وحسن تدبيره؛ لأنه عنصر قوة في ضمان العيش وحماية الكيان (.. وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.. (41)) [التوبة].
كل ذلك من عناصر القوة التي ينفتح عليها المؤمنون الأقوياء استجابة لحكمة دينهم الذي يمجد القوة الإيجابية الفاعلة بالخير، ويذم الضعف والعجز والتقاعس. والنبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- يقول: (خير الناس أنفعهم للناس) [أخرجه السيوطي في الجامع الصغير، وحسنه الألباني]، ولا يكون ذلك إلا من المؤمن القوي الذي لديه من عناصر القوة ما يخول له إرادة الخير نفسيا، والمسارعة إليه عمليا.
هكذا تحضر خصال القوة في شخصية المسلم المؤمن، في سائر مظاهر شخصيته وتجلياتها النفسية والشعورية والعقلية والسلوكية، في علاقته بربه وبنفسه وسائر الناس، وهو في كل ذلك إيجابي قوي الإرادة الخيرة الفاعلة، يستفرغ الجهد والوسع في العمل بالأسباب في عزم وتوكل على الله، لا تهزمه دواعي الفتنة أيا كانت طبيعتها ومصادرها، مادام منضبطا بوازع إيمانه وكريم أخلاقه، ولكونه يملك مفهوما أسمى لمعاني القوة التي يتحكم بها في زمام النفس ونوازعها وثوراتها. وفي ذلك يقول النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ) (متَّفَقٌ عليه).
إن منابع قوة المؤمن ليست ظرفية عابرة، ولا هي مظاهر ترف وزينة، بل هي روافد راسخة ودافقة في كل أحواله وتصرفاته بالطاقات الفاعلة بالخير والصلاح فيه وفي مجتمعه، لدينه ودنياه وآخرته. فهي أولا من فضل الله تعالى الذي يمده بالمدد من حوله تعالى وقوته، وبغير الله فهو عاجز على كل حال. ومن هذا المنبع الرباني تفيض عليه ينابيع القوة الأخرى، كقوة الإيمان الذي يغذيه باليقين والصبر والمصابرة و فعالية التضحية من أجل دينه وأمته. وقوة أخلاقه التي تنبعث من فضائل القيم الإيمانية كالعدل والرحمة والعفو والصبر والحلم والكرم والايثار. فكلها ظاقات خلقية تتحول في شخصية المسلم، شعورا وسلوكا، إلى طاقات فعالة في التغلب على نوازع النفس نحو الباطل والظلم والبطش والانتقام والشح والأنانية وغيرها. كما تأتيه القوة أيضا من عزائمه في الطاعات والعبادات، بما تحدث في نفسه لذة المناجاة وحلاوة الذكر وسعادة الاتصال الدائم بالله تعالى، من علو الهمة، حيث تهون عليه التكاليف ولا يبالي في جنب الله نصبا ولا وصبا، وهو مأجور فيها على كل حال. كما تأتيه القوة من التعالى على سفاسف الأمور، وما يتهالك عليه الناس بالأطماع والمكائد؛ لأنه يملك بالعفة والقناعة والرضا ومحبة الخير ما لا يملك أحد أن ينتزعه منه.
وبقدر ما يفرط المسلم في شيء من منابع القوة التي حباه الله تعالى؛ فإنه يقع في أسباب الضعف وأحوال العجز. ومن ذلك التفريق بين حقيقة التوكل على الله والعمل بالأسباب، حيث يصاب بالخذلان عند الاكتفاء بالأسباب وحدها، موكولا إلى نفسه، وهو لا ريب فقير عاجز بغير حول الله تعالى وتوفيقه.
كما قد تضعف فعالية الأسباب متى اعتمد عليها وحدها دون مدد التوكل على الله الذي يقول: (فاذا عزمت فتوكل على الله). ويأتيه العجز من تبرئة نفسه واتهام الناس وإساءة الظن بهم فتشغله عيوبهم عن عيوبه. كما يأتيه من الأنانية ورفض التكافل و التعاون، ومن التماس الأعذار لأخطائه وانحرافاته دون ادكار ولا اعتبار. أو يأتيه الضعف من آفة العجب والغرور والاستكبار فيسد عليه سبل الخير. وكل هذه العوامل آفات قاتلة لطاقات الإرادة الفاعلة في الطاعات والعمل وفعل الخير. وما يصدق على الفرد في ذلك، يصدق أيضا على الأمة كلها، فلا تكون قوية مهيبة في جميع مقومات وجودها الدينية والعلمية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، والحضارية عموما، إلا بقدر ما تعمل بأسباب القوة، وتتحرر من عوامل الضعف والعجز.
إنها مقومات القوة الرشيدة الفاضلة التي تجلت بكل معانيها الإيجابية وآثارها الخيرة في شخص النبي -صلى الله عليه وسلم- كما رباه الله تعالى على عينه وزكاه في كل ملكاته الروحية والعقلية والسلوكية؛ فكان بها مبلغا ومعلما ومربيا وإماما وقائدا، وكان في كل ذلك أسوة حسنة للمؤمنين في أمور دينهم ودنياهم وآخرتهم (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب 21). القوة التي أرسى بها قواعد دين الله تعالى، وربى أبطال الأمة الخيرين العاملين والفاعلين في كل مجال، والذين انتشروا في بقاع الأرض ينشرون ألوية الجهاد، ومبادئ الحق والعدل والخير والصلاح بين الناس.
تلك حقائق و مبادئ أضاعها كثير من المسلمين في القرون الأخيرة؛ فاضطربت لديهم معاني القوة في الإيمان والخلق وتلاشت عناصرها لتعقبها حالات من الضعف والانهزام والذلة التي يحسبها الجاهلون والغافلون مظاهر التدين الصحيح. وذلك كمن يطلبون قوة الإيمان في التشدد والتنطع والغلو والعنف، ومن يحسبون الزهد في حياة الحرمان والخشونة وذلة المظهر، أو يتوهمون الذل والانكسار و وقبول الضيم تواضعا، أو من يرون الوقار في التجهم والعزلة بعيدا عن مخالطة الناس، أو من يحسبون الخشوع في التذلل والتماوت والمسكنة.. وغر ذلك كثير.
ولا غرابة أن يجد كثير من الأعداء الكثير من ديار الإسلام سائغة لأطماعهم العدوانية بغير مقاومة حقيقية، بعد ما عاينوا من زهد المسلمين في أهم قاعدة في قوة المواجهة بالإعداد والاستعداد (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)[الأنفال: 60]،

الخطبة الثانية:
عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا) [رواه الترمذي، وضعفه الألباني والهيثمي، وصححه ابن القيم والمناوي].
مكمن آخر للضعف المهين يحذر منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لا يليق بكرامة المؤمن وعزة دينه، وهي حال التبعية العمياء للناس في أهوائهم وعاداتهم، من غير إرادة واعية، ولا تبصر واع، وذلك هو الإمعة العاجز التابع الخاضع.
أما المؤمن القوي بدينه وإيمانه وأخلاقه، فلا تقوده العادات والأعراف مستسلما؛ لأنه يملك قوة التمسك بشريعة دينه، لا يتبع إلا الرسول الذي أمر بالتأسي به وجوبا؛ يعاشر الناس معاشرة إيجابية، إذا رآهم على الحق أيدهم وأعانهم، وإن كانوا على الباطل نهاهم واعتزل باطلهم، متسلحا بمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وما أحوج المسلمين اليوم إلى الحذر من وباء الإمعية، وتحرر من ابتلي منهم بذلك؛ هذه الإمعية التي تفقد صبغة الإسلام الربانية التي تميزهم عما سواها في عالم التقليد والتبعية لغير المسلمين انبهارا بحضارتهم ومدنياتهم الفاسدة عقيدة وجانبا من أخلاقياتهم.
وإن طريق التحرر هو في التربية الإسلامية السليمة للأجيال على ما يحيي فيهم منابع القوة الضائعة، وبحفز هممهم إلى التنافس في المعالي، والاعتزاز بصبغة الإسلام الربانية المتفردة والغيرة عليها؛ فالأمة أحوج إلى الجيل الصالح القوي الذين ينتصرون على أهوائهم، ويتسلحون بعزائم القرآن والإيمان ويتنافسون في الطاعات والقربات وفعل الخيرات، ويتوقون إلى مقامات الشهادة بالجهاد في سبيل الله تعالى؛ تضحية من أجل دينهم وحماية ديار الإسلام المستباحة. ولا فعالية في قوة الجبهات، إلا بالقوة في ميادين الطاعات. فمن ضعف وانهزم في العمل بمقتضى "حي على الصلاة حي على الفلاح" سيهزم قطعا في مقتضى حي على الكفاح، وتلك قاعدة إلهية معلومة في عهد هذه الأمة مع الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7).
أيها المؤمنون: لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دعائه يستعيذ من كل الأمراض المؤدية إلى الضعف والعجز والتقاعس، تعليما لنا وتربية فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن و العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال) (متفق عليه)؛ فأكثروا من هذا الدعاء مشفوعا بالإرادة العازمة على مقاومة كل آفات الضعف والعجز والتقاعس، مسترشدين بهدي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فذلك طريق النجاة والصلاح والفلاح..
جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.
islam-love.com




رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
المؤمن القوي

       

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
       
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لا تكن نسخة فقد ولدت أصلياً .؟ كحيلان الفخر الــمــنــتــدى الــعــام 13 06-22-2011 11:28 AM
ابن تركي القوي طبعي الوفاء صــوت الــجــمــاهــيــر الــنــصــراويـــه 5 12-24-2010 05:04 PM

 

 

ادارة المنتدى غير مسؤوله عن التعامل بين اﻻعضاء وجميع الردود والمواضيع تعبر عن رأي صاحبها فقط

 

 


الساعة الآن 03:23 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd


F.T.G.Y 3.0 BY:
D-sAb.NeT © 2011

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

new notificatio by 9adq_ala7sas
This site is safe