السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نحتاج في كثير من تفاصيل حياتنا للحوار ، والمناقشة مع من حولنا 000
والنقاش المثمر ، الواعي ، من أهم وسائل التثقيف ، وتطوير الذات ، وبناء الثقة مع الآخرين 0
المشكلة تكمن في أننا لا نقف على أرضية ثقافية صلبة للحوار ، ففي أول اختلاف بسيط ، يخرج النقاش عن إطاره ، ويتحول إلى خصام مبين ، وخلاف حاد0
و الملاحظ أننا نخلط بين الخلاف ، والاختلاف ، وهذا مأزق ثقافي كبير ، فالاختلاف ظاهرة صحية ، وهو فرصة لتبادل الرؤى ، وتلاقح الأفكار ، وتبادل النظر من أكثر من زاوية ، وهو في النهاية ، لا يمكن أن يؤدي للخلاف ، متى ما أقيم على أرضية واعية ، ودار بين عقليات ناضجة 0
وأولى خطوات نجاح الحوار، أن يعي الجميع ، أن اختلافهم ، اختلاف تنوع ، وليس اختلاف تضاد ، وفي هذا الصدد ، أتذكر أن أحد الأصدقاء كان يتحدث لي عن صداقته وتفاهمه مع أحد زملاءه الكتّاب ، ويقول ، إن أحدنا لم يختلف مع الآخر ، أو يعترض على أي كلمة له في أي مقال ، فقلت له ، إن كل واحد منكما بهذا الشكل ، يساهم بقتل فكرة الموضوع التي كتبها زميله ، فأقصر طريق لوأد الموضوع في مهده ، أن توافق كاتبه وترحل بسهولة ، لكن الاختلاف الواعي ، والنظر من زاوية أخرى ، يساهم في إثراء الموضوع ، ويحفز على المزيد من الاطلاع ، والبحث ، وتصحيح المعلومة الخطأ ، والرجوع لأمهات الكتب ، وفي النهاية ، يخرج الجميع بحصيلة معرفية ثرية ، بفضل الاختلاف المثمر 0
- أدب الاختلاف يقتضي ، عدم القطعية بصحة رأيك ،و عدم إلزام المحاور بتبني وجهة نظرك ، فيكفي أن تطرح وجهة النظر ، ويبقى للآخر حرية الأخذ بها ، أو ببعض منها ، أو تركها ، وللشافعي يرحمه الله مقولة عظيمة ، وشهيرة ، مفادها أن رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب ، وهو بفتح باب الاحتمالات هنا ، يترك خطاً للرجوع للحق متى ما تبين له ، بل أنه يضرب الأنموذج الأروع ، والأجمل بالحوار المتحضر ، الواعي ، بقوله : ما جادلت أحدا إلا وودت أن يظهر الله الحجة على لسانه0
من أهم سلبياتنا في الحوار، أننا نحاول أن ننتصر، بأي شكل، ونحن غالبا -- خاصة في الحوارات الشفهية المباشرة – ننتظر الآخر ، أن يكمل جملته ، كي نرد عليه مباشرة ، دون التمعن فيما قال ، أو حتى سماعه بشكل جيد 0
وكون رأيك سليم ، لا يعني أن الرأي الآخر خطأ تماما ، فالأشياء نسبية دائما ، ونحن جميعا نعرف قصة كوب الماء ، الذي أثار الجدل ، والاختلاف ، بين شخصين ، يرى أحدهما أنه نصف فارغ ، بينما يرى الآخر ، أنه نصف ممتلئ ، بينما الحقيقة أن كليهما على حق ولكن لكلٍ زاويته التي ينظر للحقيقة من خلالها 0
المحاور ، الواثق من نفسه ، ومن وجهة نظره، يكون دائما في غاية الهدوء ، واحترام الآخرين ، واختيار العبارات المناسبة لمقتضى الحال ، بينما نقيضه يكون مرتبكا ، عصبيا ، شتائميا ، وهنا أتذكر مقولة نبيل فياض ( كلما ازدادت الفكرة هشاشة كلما ازداد إرهاب أصحابها في الدفاع عنها ) وذلك عن طريق الإسفاف بالعبارات ، والدخول في النيات ، وتحويل موضوع النقاش ، إلى حروب صغيرة ، تتشعب في أكثر من اتجاه ، باستثناء المحور الأساسي للنقاش ، ومرة أخرى نتذكر مقولة للشافعي: ما جادلت عالما إلا و غلبته و ما جادلني جاهلا إلا و غلبني.
ذلك أن العالِم رجّاع للحق ، متى ماتبين له ، بينما الجاهل ، يعتبر القضية ، مسألة حياة أو موت ، ولابد أن ينتصر ، ولو باللجاج ، حتى لو تيقن أنه مجافٍ للحقيقة 0
0
0
0
الاختلاف المتحضر : الخطوة الأولى في الطريق السليم 0
دمتم بود