عصور الظلام

بسم الله الرحمن الرحيم




عصور الظلام أو القرون المظلمه - بالإنجليزي : Dark Ages - مصطلح يطلق لفترات في التاريخ الأوروبي انتشر فيها الجهل و الخرافات في هذه الفترة مابين سنة 500 و سنة 1000 ، و هذه الفتره تميزت بإنتشار الجهل الفكري و التقوقعات الذاتيه و تواري الحياه المدنيه و التولورانسيه في طيات التعصب و الهوس الديني و الحروب و الصراعات.

عصور الظلام ( القرون المظلمه ) هي الجزء الأول من العصور الوسطى ( القرون الوسطى ) امتدت من سقوط الامبراطوريه الرومانيه الغربيه سنة 476 على إيدي الچرمان الى سقوط الامبراطوريه الرومانيه الشرقيه سنة 1453 تقريبا على إيدي الأتراك . المؤرخ إدوارد جيبون (1737-1794) سمى الفترة هذه " ألف سنه من الهمجيه و الدين " .

مفهوم عصور الظلام صاغه الباحث الايطالى (فرانشيسكو بيتراركا) فى 1330 ، وكان يقصد به انتقاد شامل لطابع الأدب اللاتينى فى هذه الفتره.


إنحطاط التفكير

في فترة عصور الظلام انحدر مستوى التفكير فى أوروبا، و أخد الإيمان بالغيبيات مكان التفكير العلمى و المنطقى السليم، و بقت الثقافه وقف على رجال الدين واتباعهم، هم اللذين يحددون طريقة تفكير الناس و حياتهم ، ومن يخالفهم كان يتهم بالكفر و الهرطقه و يتعرضون لتشويه سمعنهم و التعذيب و المحاكمة.

إنحدرت الثقافه و انتشر التخلف و اصبح الناس لا يفكرون في تحسين معيشتهم ومعرفة حياتهم بل يفكرون فى مواضيع عقيمه و غيبيات عبثيه مثل قيمة أرقام معينه و أثرها على الناس، و عدد الملائكه، و مكان الروح فى الجسم و امور اخر كثيره مثل هذه الامور التي تودي الى إنحدار فكرى و ركود ذهنى.

إنعدم التفكير المنطقى و اختفت التولورانسيه من المجتمعات و حل محلها التعصب الدينى و القهر الفكرى واصبح من يفكر و يقول رأى عدو يجب ان يعذب.

ومثل اصبح الناس عبيد لأفكار رجال الدين واتباعهم اصبح الفقرا منهم عبيد و ميليشيات للإقطاعيين و النبلا و مصدر للضرايب و المكوس، و وقود للحروب و الصراعات الإثنيه.









الإيمان بالخرافات و الغيبيات من مظاهر ثقافة عصور الظلام




إنحدار الثقافه

حرم رجال الدين واتباعهم إستخدام اللغات المحليه فى الكتابه لإنهم ربطوا بين المسيحيه و اللغه اللاتينيه. و اصبحت الكتابه باللغات المحليه من المحرمات التي لا بد من محاربتها ومن يحاول إستخدام لغته المحليه غير اللاتينية فى الكتابه كان يعتبر مارق كافر معتدى على الدين.

مع هذا الإنحطاط عم الفقر على الناس، و اغلقت مدارس العلم و التعامل مع الحياه، واتفتحت صوامع علم الدين و جغرافية العالم الآخر، و انعدمت القراءة و العلم من الكتب، و إنشغل الناس في مناقشة الغيبيات و الطقوس الواجب عليهم تعلمها فى حياتهم ليصبحو ناجحون فى مماتهم.

يقول المفكر سلامه موسى في ما معناه : إذا كت تريد تلخص لنفسك معنى الإنحطاط فى القرون المظلمه، و كيف الذهن البشرى هجر الفلسفه اليونانيه و الهندسه الاقليديه و النزعه الصناعيه فى روما للدين و الغيبيات فى صوامع رجال الدين، فاعرف إن المعنى ينحصر فى إن الثقافه صارت تخدم شئون العالم الأخر بدل ما تخدم الإنسان على كوكب الأرض .


التفسير الخرافى للظواهر

اصبح الناس لا يفكرون فى العلم و المعرفه بل يفكرون فى السحر و طرد العفاريت،. و انتشر إتهام الناس، و النساء بالذات، بالسحر، وكل من يثبت عليه ذالك يحرق.

النظر الغيبى بيقتضى الإيمان بالسحر و العفاريت و التنجيم و الطقوس العقيمه. و الإستبداد بالنساء و قهر الناس و تذهيلهم و تجميد أذهانهم و منعهم من التفكير و محاربة العلم و التطور من سمات عصور الظلام. ذهول الناس و بعدهم عن التفكير الحر المنطقى وهذا كله يتم عن طريق الحجر المباشر على الأفكار عن طريق رجال الدين واتباعهم لكن كان فى العاده عمليه تلقائيه نابعه من الإنسان ذاته وهذا لإن فى هذه الفتره أذهان الناس نفسها انحطت و صار هذا الجمود الفكري مزاجهم الثقافى العام.

إنسان عصور الظلام ذاهل وأحادي التفكير، و متعصب دينياً، معتدي على كل من يخالفه في الرأى، و يحتقر النساء، و يؤمن بالغيبيات، و يكره التطور و العلم، ويفسر ظواهر الحياه تفسير خرافى.








فولتير من رموز حركة التنوير و محاربة الجهل و التعسف و القهر




النهضه

عصور الظلام لم تنتهي سنة 1000 و العصور الوسطى لم تتغير مع شمس أخر يوم فى سنة 1453. هذه التواريخ مجرد حد عرفى ليس حد جزمى. عصور الظلام و العصور الوسطى انتهت تدريجيا عن اوروبا. بعد القرن الحداشر بوادر التغيير و النهضه بدأت تهل على أوروبا. بدأت تظهر كتابات فيها فكر لكن فكر فى حدود الدين.

فى هذه الفتره ظهر أبيلار (1079 - 1142 ) وهذا كان رجل دين يكتب فى مواضيع دينيه لكن دعا للشك و جعله أساس للإيمان الصحيح. و برغم هذا اصطدم مع بابا الكاتوليك و حرمت كتبه. و ظهر توماس الاكوينى (1225 - 1274 ) و حاول يوفق بين العقل و الدين بطريقه تلفيقيه لكن كتب بجراءه و بين قيمة العقل.

الإثنين رغبو فى دراسة الكتب القديمه التي ليس لها علاقه بالدين، و أفكارهم تعتبر بذرة الحركه البشريه، التي وصلت لذروتها فى عصر النهضه الأوروبيه ( الرينيسانس )، و التي خلاصتها إن الإنسان لابد ان يطلع على المعارف الإنسانيه و لا يتوقف تفكيره على إجترار الدين و الغيبيات.

وبدأ الناس يقرؤن مواضيع من عصور الإغريق و الرومان لا علاقة لها بالدين، وهذه كانت ثوره و تمرد على الأوضاع الثقافيه المترديه اللى إجتاحت أوروبا فى عصور الظلام، و اصبح من حق المثقفين يقرؤن ما يشاءون.

و المصلح الدينى مارتين لوثر كان من ثمار الحركه البشريه هذه، وكان بذره لنهضه اخرى هى نهضة الحريه الدينيه التي هى نفسها كات نتيجه لحرية الذهن. و من الحريات هذه نشأت حركات اخرى تتعلق بالحقوق السياسيه و الإقتصاديه.



اوروبا الجديده

حوالى سنة 1000 بدأت المدن فى أوروبا تتكون و تجذب سكان الأرياف التي كانوا فى عصور الظلام عبيد للنبلا و الإقطاعيين و ميليشيات لفرقهم العسكريه التي بيحاربوا بها بعضهم . و بدأ يظهر الصناع و التجار بعد ما أختفوا.

يقول المفكر سلامه موسى في ما معناه : لو اردتم معرفة الفرق بين القرون الوسطى و بين النهضه ممكن القول ان النهضه هى انتقال الناس من الريف ، مكان الجمود و حكم النبلا، للمدن، مكان التجاره و الصناعه و التجمع السكانى، و مكان الرأى فوق العقيده، و حتى مكان الإكتشاف و الإختراع .

خرجت أوروبا من الحصار الذهنى فى العصور الوسطى للعالم الرحب، و انطلقت مراكبها من موانيها تكتشف العالم، واصبح لأوروبا و جدان بالتاريخ و الجغرافيا بعد ما كان وجدانها فى عصور الظلام محصور فى كتب الدين اللاتينيه و جغرافية العالم الأخر.

اللغات المحليه اللي كان يتكلم بها الناس فى حياتهم اليوميه حلت محل اللغه اللاتينيه فى الكتابه و اصبحت المعرفه متاحه للكل و تقرء و تتكتب و تتفهم بسهوله.

إجتازت أوروبا الفتره القاحله من تاريخها و دخلت فى عصور الرينيسانس و التنوير و الحريه و الصناعه و الإكتشافات و الإختراعات المبهره، و سادت حضارتها الدنيا، و سقط امام ثقافتها كل ثقافه عارضتها و كانت حبيسة عصرها المظلم الخاص بها، تعانى الجهل و القهر ، و الإستبداد بالمرأه ، و الإعتداء على أصحاب الأراء ، و الإيمان بالخرافات و الغيبيات ، و الصراعات الدينيه و الإثنيه.

م0ن