10-26-2010, 02:43 PM
|
|
خلق الوفاء
لأخلاق تقرب من بعضها في كثير من معانيها، على الرغم أنَّ كل خُلُقٍ بمعنًى يدلُّ عليه، والوفاء في ذاته يعني الصدق في الوعد، كما أنه يعني الأمانة. كذلك فمن الإيمان أن يكون المرء عند كلمته التي قالها؛ فالوفاء بالعهد يحتاج إلى عنصرين، إذا اكتملا في النفس سهُل عليها أن تُنْجِزَ ما التزمتْ به، وهما في قول الله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115]، فضَعْفُ الذاكرة وضعف العزيمة عائقان في طريق الوفاء بالواجب.
والعهود التي يرتبط المسلم بها درجات؛ فأعلاها مكانةً وأقدسها العهدُ الأعظم الذي بينه وبين الله ربِّ العالمين، ووفاءُ الإنسان بهذا العهد أساس كرامته وسعادته في الدنيا والآخرة، ومن الأمثلة العظيمة الدالَّة على الوفاء وفاء الأنصار مع رسول الله؛ فقد جنَّدوا أنفسهم وأموالهم لحماية الدعوة وحراسة الرسالة؛ حتى يُبَلِّغَها للناس جميعًا، وضربوا في ذلك أعظم الأمثلة في الوفاء، رضي الله عنهم جميعًا.
كما أن من الوفاء أن يذكر الرجل ماضيه الذاهب لينتفع به في حاضره ومستقبله، دون أن يشعر بحرجٍ في ذلك، ولا يدَّعي كذبًا خُلُوَّ ماضيه من الفقر أو المرض، وما أشهر قصَّة الأبرص والأقرع والأعمى التي وردت في حديث رسول الله[1].
والوفاء بالحقِّ واجب مع المؤمن بالإسلام ومع الكافر به، والفضيلة لا تتجزأ، فيكون المرء خسيسًا مع قوم، كريمًا مع آخرين، وقد قالعن حلف الفضول: "لَوْ دُعِيتُ بِهِ فِي الإسْلامِ لأَجَبْتُ"[2]. وفي الحديث أيضًا: "الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ"[3]. كما تتابعت آيات القرآن تحضُّ على الوفاء، وتخوِّف من الغدر، قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} [الإسراء: 34]، {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91]، وكثير غيرها.
ومن الشئون التي اهتمَّ الإسلام بها، ونوَّه بقيمة الوفاء فيها: الديون؛ فإن سدادها من آكد الحقوق عند الله، بل إن الإسلام حرم الاستدانة إلاَّ للضرورة، وحذَّر بشدَّة من المماطلة أو التأخير في سدادها، قال: " مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ"[4]. وفي الحديث: "يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلاَّ الدَّيْنَ"[5].
إنَّ الله يحب الأوفياء من عِباده، وما أهلك القرى الظالمة إلاَّ بعد أن قال في أهلها: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: 102].
|