05-09-2012, 03:02 PM
|
|
سر السعادة والحياة الطيبة
مجالس الذكر فيها روضات الجنات لذلك تتنزل الرحمات على أهل البلد التى بها هذه المجالس تتنزل عليها فى زراعاتها وضروعها وتجاراتها وكذلك تتنزل عليها فى أقواتها وفى أجسادها وفى أولادها وفى كل شيء تتنزل البركات وتدخل فى قول الله {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} ولذلك رأينا سلفنا الصالح كانوا حريصين على دخول المسجد قبل الفجر بساعة منهم جماعة يقرأون الأوراد القرآنية ومنهم من يتهجد ومنهم من يصلى على حضرة النبي ومنهم من يستغفر الله ليدخل فى قول الله {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} ومنهم من يذكر باسم من أسماء اللهوكل واحد منهم يشتغل بطاعة الله وهؤلاء يقول فيهم النبي عن الله {إِنَّ اللَّهَ تَعَالَىٰ يَقُولُ:إِني لأَهُمُّ بِأَهْلِ الأَرْضِ عَذَابَاً فَإذَا نَظَرْتُ إِلَى عُمَّارِ بُيُوتِي، وَالْمُتَحَابينَ فِيَّ، وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ صَرَفْتُ عَذَابِي عَنْهُمْ }[1] إذاً بسر طاعة هؤلاء كان الله يرفع ويصرف العذاب {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} هذا لأهل البلدة جميعاً أما الذين يُحيون هذه الأوقات بالطاعات والذين يصرف الله من أجلهم العذاب عن أهل البلدة فهؤلاء يكرمهم الله هم وأولادهم وذرياتهم إلى الطبقة السابعة كما ذُكر فى القرآن والسنة فقد أرسل الله نبياً كليماً وولياً كريماً وذهبوا فى سفر طويل إلى بلدة لأن هذه البلدة كان بها أطفال صغار كان جدهم السابع رجلٌ صالحٌ {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً} فأرسلهما الله لكي يقيما جداراً فوق كنز لهؤلاء الأطفال تحت هذا الجدار حسبة لوجه الله حتى { يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا} وذلك كله لصلاح جدهما السابع كما ورد بالحديث إذاً من يواظب على هذه الروضات الجنانية ياهناه فإنه يعيش فى الجنة وهو على ظهر الدنيا فيأخذ أوصاف أهل الجنة {أكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا} أى يتكفل الله بأرزاقه التى يحتاج إليها إن زادت زادها ولا يحوجه إلى أحد من خلق الله حتى يلقاه وإياك أن تقول من أين؟ {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} ويجعل الله هذا الإنسان فى روح وريحان يقول فيه النبي العدنان {إِنَّ لله ضَنَائِنُ مِنْ خَلْقِهِ يُحْيِيهِمْ فِي عَافِيَةٍ، فإذَا تَوَفـَّاهُمْ تَوَفـَّاهُمْ إِلى جَنَّتِهِ، أُولَئِكَ تَمُرُّ عَلَيْهِمُ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ وَهُمْ فِيهَا فِي عَافِيَةٍ}[2] وقوله {طُوبَىٰ لِلْمُخْلِصِينَ أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَىٰ تَنْجَلِي عَنْهُمْ كُلُّ فِتْنَةٍ ظَلْمَاءَ}[3]والفتن هى أن الناس تشتكي منهم من يبكي ويولول ومنهم من يشكو الخالق إلى الخلق ومنهم من تأتيه شدات عصبية وأمراض نفسية وأحوال جسمانية لا عدَّ لها ويعجز الطب فى شأنها أما المخلصين فلا شأن لهم بكل ذلك لأنهم منها فى عافية لأنه كلما ضاقت عليهم الأمور يتولاهم اللطيف بلطفه فيزيل الشرور ويفرِّج عنهم هذه الأمور لأنهم عملوا بقول حبيب الله ومصطفاه{اِحْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، اِحْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ}[4]{تَعَرَّفْ إِلى الله فِي الرّخاءِ يَعْرِفْكَ في الشّدَّة}[5] فلا يتخلى الله عنه أبداً وهو الربُّ الكريم فى أى شدة أو معضلة بعنايته وولايته لكن إن تكاسلت وتباطأت وقلت إننى مشغول بكل الأمور التى ذكرناها هل هذه حجَّةٌ تنفع عند الله؟لا لأن مثل هؤلاء الغير منضبطين فى الإيمان عندما ذهبوا إلى حضرة النبي وسألهم: لماذا لا تحضرون معنا روضات الجنان هذه التى تشمل حلقات العلم أو حلقات الذكر أو حلق القرآن؟ قالوا: أعذرنا لأنه قد {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا} فقال الله له: لا لأنهم {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} فما الذي يشغلك أفضل من ذكر الله؟ مع أنَّ هذا الذكر هو الذي ينفِّس عنك كل كربات هذه الحياة؟ وما الذي يشغلك عن مجالس العلم التى تتنزل فيها الرحمات من الله جل فى علاه؟هذه المجالس يا إخوانى تجعل الإنسان دائماً فى عناية الرحمن ويظل إلى أن يلقى الله وقلبه شابٌ لا يهرم ولا يشيخ لماذا؟ لأنه أخذ وصف الجنان فإذا كان الجسم سيهرم فإن القلب لن يهرم أبداً لأنه أخذ وصف الجنان وسيظل يشتغل بذكر الله وبالمناجاة وبالأنس بالله وبالدعاء لله وبما لا يعدُّ ولا يحدُّ بالصلاة والصلات مع حضرة الله كيف ولماذا؟ لأنه أخذ أوصاف أهل الجنة وهو فى هذه الحياة الدنيا حتى الذي يحضر لحاجة يطلبها من أحد الحاضرين ولم يأت لمشاركتهم فى هذه الطاعات فإن الملائكة الذين يحضرون معنا بعد أن ينتهوا يذهبون إلى حضرة الله فيسألهم أين كنتم؟ واسمعوا للحديث الشريف عن أبي هريرة عن رسول اللَّه أنه قال {إنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً فُضُلا عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإذَا وَجَدُوا قَوْماً يَذْكُرُونَ اللَّهَ، تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إلى حَاجَتِكُمْ، فَيَحُفُّونَ بِهِمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ - وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ - فَيَقُولُ: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: يُكَبِّرُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ وَيُسَبِّحُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولونَ: لا، فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ، لَكَانُوا لَكَ أشَدَّ عِبَادَةً وَأَكْثَرَ تَسْبِيحاً وَتَحْمِيداً وَتَمْجِيداً. فَيَقُولُ: وَمَا يَسْأَلُوني؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: يَسْأَلونَكَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: فَهَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لا. وَاللَّهِ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ (فيقولون: لو رأوها) كَانُوا عَلَيْهَا أَشَدَّ حِرْصاً وَأَشَدَّ لَهَا طَلَباً، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، فَيَقُولُ: وَمِمَّ يَتَعوَّذُونَ؟ فَيَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، فَيَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا، لَكَانُوا مِنْهَا أَشَدَّ فِرَاراً وَأَشَدَّ هَرَباً وَأَشَدَّ خَوْفاً، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ. قَالَ: فَقَالَ مَلَكٌ مِنَ المَلَائِكَةِ: إنَّ فِيهِمْ فُلانَاً لَيْسَ مِنْهُمْ إنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: فَهُمُ الْجُلَسَاءُ لا يَشْقَى جَلِيسُهُمْ»}[6] بالله عليكم كيف يترك الإنسان هذه المجالس ويتخلف عنها؟للجرى على الأرزاق كيف ذلك والله عند أمر الرزق قال:إياك أن تجرى {يا ابن آدم تركض كركض الوحوش فى البرية ولا تنال منها إلا ما كتب لك} ماذا نفعل إذاً يا رب كي نحصّل الرزق؟{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا – أى امشوا برويًّةٍ – وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ} وإياك أن تظن أنك تأكل بمهارتك أو بسعيك وإنما من رزقه ولذلك قال النبي لأصحابه :هل سمعتم الآية؟ قالوا: نعم، قال إذاً {اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْساً لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا}[7] فلا تحاول يا أخى أن تلف وتدور لكى تُحصِّل الأرزاق كأن ترتشي من هنا أو تخدع من هناك أو تغشُّ هذا أو تكذب على ذاك فالرزق لا يسوقه إليك حرصك ولا يمنعك عنه أحد[8] كل المسجَّل على بطاقة التموين الخاصة بك من الله فلن تموت حتى تحصل عليه من ربِّ البرية فى حياتك الدنيوية وعندما تحين لحظة السفر من الدنيا تأتى الملائكة التى معك الموكلة بالأرزاق وتبحث وتقول {يا عبدالله بحثنا لك عن لقمة واحدة فى السموات والأراضين فلم نجدها} كذلك الملك الموكل بالشراب يقول: {يا عبد الله بحثت لك عن شربة واحدة فى السموات والأراضين فلم أجد} ثم يأتى آخرهم ملك الهواء فيقول {يا عبد الله بحثت لك عن نفس واحد فى السموات والأرضين فلم أجد فاجب داعى الله } إذاً علينا فى الرزق أن نسعى ونمشى فحسب كما أمرنا الله ولا نترك الطريق المستقيم والمنهج القويم ونلف وندور كأهل الكفر وأهل الشرك وأهل المعاصى والخسران لكى نأخذ ما قدَّره لنا الرحمن إذاً فإلى أى أمر نجرى يا رب؟ قال: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } الشيء الذي به أو فيه مغفرة عليك أن تجرى وتسارع له وفيه ما هو؟ الصلوات الخمس لماذا فرضتها علينا يا رب؟قال{فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم} هذه الطاعة تجرى لها وتسارع وكذلك روضات الجنات إن كانت مجالس الذكر أو مجالس القرآن أو مجالس العلم كل هذه أسارع لها لماذا؟ لكي أعيش فى الدنيا الحياة التى وعد الله بها المؤمنين والصالحين والتى قال فيها {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} أى لا بد وأن تكون الدنيا بالنسبة له طيِّبة أهذا واضحٌ بينٌ أم لا لابد أن يحيا حياة طيبة لابد وكلُّ من يعيش فى الدنيا حياة غير طيِّبة فإنه لم يعمل بهذه الآية هذا للدنيا أما فى الآخرة {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }
تم نقل الموضوع من كتاب
[نوافل المقربين]
[1] جامع الأحاديث والمراسيل والبيهقى فى الشعب عن أنس [2] رواه الطبراني فى الكبير والأوسط عن ابن عمر.[3] جامع الأحاديث والمراسيل ولأبى نعيم فى الحلية عن ثوبان.[4] رواه أحمد والترمذي عن ابن عباس.[5] المستدرك للحاكم عن ابن عباس.[6] صحيح ابن حبان.[7]سنن البيهقى الكبرى وابن ماجة عن جابر بن عبدالله.[8] إقرأوا كتاب" علاج الرزَّاق لعلل الأرزاق" فهو شفاءٌ فى هذا المضمار.
|