يا خير مَنْ دُفنت بالقاع أعظمه
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه من تلك القلوب التي انعم الله عليها، قلبه مفعم بالايمان، جاء الى قبر النبي صلى الله عليه وسلم يبكي، ويطلب الرحمة، وقد حدث ابو منصور الصباغ صاحب كتاب (الشامل) حكاية هذا الاعرابي المؤمن، كما سمعها عن العتبي، قال: كنت جالساً عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء اعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، لقد سمعت الله جل وعلا يقول: «ولو انهم اذ ظلموا انفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً».. وكلمة (اذْ) تدل على الزمان، وقال الاعرابي: جئتك يا رسول الله تائباً ومستغفراً، أي جاءه حال وقوع الخطأ، ان نفسه دفعته ليأتي عند قبر خاتم النبيين فهناك تهيج النفس اكثر من أي مكان آخر، وانشد الاعرابي يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا خير من دفنت بالقاع اعظمه
فطاب من طيبهن القاع والاكُمُ
نفسي الفداء لقبر انت ساكنه
فيه العفاف وفيه الجود والكرم
قال العتبي ثم انصرف الاعرابي بعدما مدح النبي وعبّر عما في نفسه من محبة وأمل، ونمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لي: يا عتبي الحق الاعرابي فبشره ان الله تعالى غفر له، ففعلت وبلغت.
إن هذه الأعظم التي مدحها العربي الاعرابي ثم بشّر بعد ذلك مدحها حافظ ابراهيم عندما رأى الناعقين في مصر وفي بلاد العرب كلها ينعون اللغة العربية وهي في شبابها، قال:
رحم الله في بطن الجزيرة اعظماً
يعز عليها ان تلين قناتي
لقد حمل الرسول صلى الله عليه وسلم الينا فكراً عظيماً قويماً منقذا، وكان اطار هذا الفكر العظيم المنقذ هو اللغة العربية، ولا ندري كيف كانت ستصبح قوميتنا عندما تفقد اللغة العربية، ماذا سيفعل المناذرة؟ وماذا سيفعل الغساسنة؟ وماذا ستفعل الاقوام التي تفرقت من الجزيرة او من اليمن؟ من الذي وحدهم؟ وما الفكر الذي جمعهم؟ وما الاطار الذي تغنوا به؟
لقد ارتفعت الامة بكتاب الله، وقد احس المسلمون بعظمة اللغة في كتاب الله، ولذلك سارع علماؤهم ولغويوهم وادباؤهم لوضع قواعد وضوابط، انهم لم يهملوا، وقد بيّن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يوماً للناس اثر كتاب الله في النفس والوظيفة والرقي، قال المحدث الامام مسلم النيسابوري في كتاب الصحيح: «لقي عامل مكة عمر بن الخطاب امير المؤمنين فقال له العامل: مَنْ استعملت على هذا الوادي؟ فقال عمر استعملت أبن أبزى، فقال العامل من ابن ابزي؟ قال عمر انه مولى من موالي المسلمين، فقال نافع (عامل مكة) استخلفت عليهم مولى! قال عمر: نعم، انه قارئ لكتاب وعالم بالفرائض، اما ان نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: «ان الله يرفع بهذا الكتاب اقواماً ويضع به آخرين» من كان يظن يوماً ان رجلاً كعمر بن الخطاب سيصبح اميراً على سوريا ومصر بدل الروم وعلى العراق وايران بدل الفرس، لقد رفعه الله ووضع آخرين
|