كيفيــة الوصــول إلـى الإيمــان
كيفيــة الوصــول إلـى الإيمــان
ليس المقصود بالإيمان بالله تعالى الاعتراف بوجود الخالق، ذلك الاعتراف القولي الذي يدور على ألسنة العامّة من الناس. لأنَّ مجرَّد الاعتراف بوجود الخالق لا يسمى إيماناً وهو لا يغرس في قلب صاحبه مكرمةً أو يكسبه فضيلة أو ينتزع من نفسه خبثاً، كما لا يدخله في الآخرة جنَّةً أو يقيه ناراً.
وقد ضرب لنا تعالى على ذلك إبليس مثلاً، فذكر لنا في القرآن الكريم اعترافات إبليس بوجود خالقه وإقراره له بالربوبية والعزة فقال تعالى: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طينٍ، قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّك رَجيمٌ، وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتي إِلى يَوْمِ الدّينِ، قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْني إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ، إِلى يَوْمِ الْوَقتِ الْمَعْلُومِ، قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ.. سورة ص: الآية (76-83).
ففي الآية الأولى اعتراف منه لخالقه وفيما يليها إقرار بربوبيته ثم أقسم بعزة الله ومع ذلك كله وصف تعالى إبليس بأنه من الكافرين وأن عليه اللعنة إلى يوم الدين. وكذلك اليهود ما كان اعترافهم بخالقهم ليردّهم عن طغيانهم قال تعالى: {وَإِذَا قِيْلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ.. سورة البقرة: الآية (91).
وإذاً فليس الإيمان بالخالق اعترافاً قولياً إنما هو شعور داخلي ولَّده في النفس بحث ذاتي وتفكير متواصل فجعل صاحبه يسبح في جلال الله تعالى ويخرُّ ساجداً لعظمته. وهكذا فالإقرار النفسي المقرون بذلك الشعور والتذوُّق المنبعث من قرارة النفس، هو الإيمان الصحيح وما سواه مما يتلقَّنه الإنسان من أبيه وأمه أو البيئة التي ينشأ فيها تلقناً ولا ينبعث في النفس متولِّداً عن نظر وتفكير ما هو بالإيمان المطلوب.
ولكن كيف يتولَّد هذا الإيمان الذي هو أساس طهارة النفس وتحليتها بالكمالات الإنسانية في نفس الإنسان!. وكيف يشع في قلبه؟.
أقول: لقد خلق الله الإنسان وميَّزه كما ذكرنا من قبل على سائر المخلوقات بتلك الجوهرة التي يستطيع بها أن يتوصل للكشف عن الحقيقة وأعني بهذه الجوهرة التفكير..
ثم إنَّ الله تعالى جعل هذا الكون وما فيه من آيات بيِّنات ونظام بديع وحكمة بالغة بين يدي الإنسان كتاباً مفتوحاً يستطيع أي إنسان كان إذا نظر فيه مدقّقاً وتفكر متأملاً أن يعظِّم هذا الكون تعظيماً يهتدي من ورائه إذا كان صادقاً في طلب الحقيقة إلى معرفة خالقه والإيمان به والخشوع له.
وهكذا فمعرفة المربي هي النبراس الذي يصل بالإنسان إلى مشاهدة الحقيقة وهي السبب الوحيد في الوصول إلى الخير والسعادة، وقد وهب الله الناس جميعاً الفكر تلك الأداة التي يستطيعون بواسطتها أن يصلوا إلى معرفة خالقهم ومربِّيهم، وجعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، وبثَّ في هذا الكون ما لا يحصى من الآيات التي تساعد الفكر على البحث والاستدلال. فمن استفاد من هذه الجوهرة الثمينة، وأشغل فكره وأعمله في معرفة خالقه ومربيه فقد ظفر بالسعادة، وفاز.
ومن أشغل هذا الفكر وأعمله في السعي وراء المكاسب الدنيوية وتأمين الشهوات الدنيّة فقد خاب وخسر هذه الحياة قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئكُمْ بِالأَخْسَرينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحيَاة الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً، أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْناً، ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتي وَرُسُلي هُزُواً، إِنَّ الَّذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً، خَالِدينَ فيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً.. سورة الكهف: الآية (103-108).
|