العامل النفسي .. مفتاح نجاح لاعبي كرة القدم
سبق وأن قال أدي برايسلار (1921-2003)، لاعب منتخب ألمانيا وأسطورة فريق دورتموند: "اللعب على الميدان هو الشيء الوحيد الذي يحسم نتيجة المباراة". ورغم صحة تلك المقولة، إلا أن هناك عدداً من الحيل العقلية التي يتم أيضاً اللجوء إليها من أجل تحسين أداء اللاعبين. فالفرق التي منيت بسلسلة من النتائج السلبية تتبادل، على سبيل المثال، غرف تغيير الملابس مع الفريق الخصم أثناء مباراة الإياب. أما المدربون، فيرتدون دائماً قميصاً أو سترة تجلب لهم الحظ. كما أن اللاعبين "يرسمون" كل مرة علامة الصليب قبل دخولهم المعلب.
كل هذه الأشياء يمكنها فعلاً أن تؤثر بدرجة كبيرة على النجاح أو الفشل في كرة القدم، وهو ما تم تأكيده علمياً، كما يوضح دانييل ميميرت، من كلية الرياضة بمدينة كولونيا الألمانية، إذ يقول: "نعتقد بأنه يتم حسم الأمور في بعض الرياضات اعتماداً على عوامل أخرى بعيدة عن العقل".
من بين الأمثلة الأخرى المعروفة الضربات الرأسية، فمن يلعبها لا ينبغي عليه دائماً اتخاذ القرار "الصحيح"، بل هو مطالب باتخاذ قرارات "شاذة" ولكنها تستند إلى الإبداع، والابتعاد بتفكيره عن الأنماط السائدة بهدف مباغتة الخصم ومفاجأته وعدم ترك المجال أمامه للتحضير لها. لكن عمليات كثيرة أخرى تحصل في الدماغ ولا تقتصر فقط على التفكير الاستراتيجي.
وبحسب دانييل ميميرت، فإن الإنسان الذي يكون مرتاح البال يقوم بعمل أفضل، مقارنة بمن يمر بحالة تذمر عميقة أو يكون في محيط لا يشعر فيه بالارتياح. ويوضح ميميرت هذه الفكرة قائلاً: "عندما يعرف المرء بأن اللاعب يحب أن يكون في وسط عائلته وأن ذلك يعطيه القوة، لن يكون مفيداً أو صحيحاً جمع كل اللاعبين بالفندق في ليلة ما قبل المباراة، لأن الطاقة البشرية في نهاية الأمر هي التي يتم الاعتماد عليها أثناء اللعب". ولهذا السبب، يجب بذل كل جهد من أجل خلق محيط ملائم للرياضي يشعر فيه بالارتياح ويمكّنه من بذل أفضل مجهود لديه.
كما تُظهر الدراسات المتخصصة في لغة الجسد أن لها تأثيراً على الفريق الخصم وعلى الزملاء في نفس الفريق. وهذا مهم بشكل خاص أثناء ركلات الجزاء أو الركلات الحرة. ويوضح مميرت ذلك بالقول: "عندما يواجه اللاعب المكلف بتسديد ركلة الجزاء حارس المرمى بصدر واسع، فإن ذلك يولّد لدى حارس المرمى الشعور بأن اللاعب يريد تسجيل الهدف وأن الركلة ستكون جيدة ولن يتمكن على الأرجح من التصدي لها"، مضيفاً: "خلافاً لوقفة لاعب تكون أكتافه منحنية في مواجهة حارس المرمى، فهم حينئذ يربطون تلك الهيئة بالضعف ويكون لديهم شعور بأنهم سيصدون الركلة". لذلك، يواجه المدربون هذا التأثير السلبي للغة الجسد وينادون لاعبيهم عندما يفشلون في إيقاف الكرة أو يتأخرون في تمريرها بعبارات مثل: "ارفع رأسك وواصل اللعب".
النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، لاعب نادي ريال مدريد الإسباني، مثال ممتاز على الاستخدام الأمثل للغة جسد المهيمنة وينفذ الضربات الحرة بطاقة وتركيز عاليين، وهذه هي الطريقة الصحيحة، حسب ما اكتشف العلماء، ذلك أن لغة الجسد الإيجابية التي تقترن بحركات يتم تكرارها باستمرار تعتبر أحد طرق تحسين الأداء، إذ يشرح ميميرت من كلية الرياضة في كولونيا: "يجب على الإنسان أن يفكر ملياً في حركاته، وهو ما يسمى بتمارين الدماغ. من المهم التركيز وإفساح المجال أمام تطبيق الحركات والتمارين التي تم التدرب عليها بشكل جيد".
بالإضافة إلى كل ما ذُكر، فإن بعض اللاعبين المحترفين يؤمنون بنذر الشؤم والفأل الحسن، ويلجأون إلى بعض الممارسات التي تجلب لهم الحظ قبل المباريات. ولا يقتصر ذلك على أنصار الفرق وحدهم، فالمهاجمون، مثلاً، يرتدون جواربهم بدءاً بالأيمن فالأيسر، في ما يقسم حارس المرمى بتميمة الفريق.
حتى فيما يتعلق بهذه الممارسات، يؤكد العلماء أنها تساعد. ويشرح الباحث في علوم الرياضة ميميرت تجربة شاركت فيها مجموعتان طُلب منها ممارسة لعبة الغولف ومحاولة إسقاط الكرات في الحفر، وتم إعطاء المجموعة الأولى كرات الغولف وقيل لهم أنها ذات "فأل حسن"، إذ تمكن أشخاص آخرون في السابق من إدخالها في الحفر، بينما أعطيت المجموعة الثانية كرات وقيل لها إنها "سيئة الطالع". وبالفعل، فقد نجحت المجموعة الأولى في تحقيق نتائج أفضل من المجموعة الثانية.
مثل تلك النتائج توصلت إليها أيضاً دراسات حول الأشياء التي يعتقد أنها تجلب الحظ. ويفسّر ميميرت ذلك بالقول: "في علم النفس، يفترض المرء أن عمليات الكفاءة الذاتية تتم في اللاوعي ... فالمرء يتملكه شعور جيد وتكون لديه ثقة كبيرة في القيام بعمله بنجاح، لأنه يعرف أن هناك من يدعمه".
هذا وأكدت دراسات حديثة في مجال الرياضة أن المشجعين المحليين يمكن أن يؤثروا على قرارات الحكام، خصوصاً في ما يخص عدد البطاقات الصفراء الممنوحة، إذ أكدت نتائج تلك الدراسات أن الفرق الكروية، عندما تلعب خارج ملعبها، تتلقى عدداً أكبر من البطاقات الصفراء مقارنة بالفريق المضيف، وهو ما قد يؤثر على نتيجة المباراة، لأن اللاعب الذي يتلقى البطاقة ورقة صفراء يتراجع مستوى نشاطه البدني، على حد قول الخبير الرياضي ميميرت.
|