لماذا أباح الشرع للرجل أن يعدد ولم يبح للمرأة ذلك ؟
لماذا أباح الشرع للرجل أن يعدد ولم يبح للمرأة ذلك ؟
قال ابن قيم الجوزية في أعلام الموقعين (2/104 - 105) :
"أَمَّا قَوْلُهُ : " وَإِنَّهُ أَبَاحَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ ، وَلَمْ يُبِحْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ زَوْجٍ وَاحِدٍ "؛
فَذَلِكَ مِنْ كَمَالِ حِكْمَةِ الرَّبِّ تَعَالَى لَهُمْ وَإِحْسَانِهِ وَرَحْمَتِهِ بِخَلْقِهِ وَرِعَايَةِ مَصَالِحِهِمْ ، وَيَتَعَالَى سُبْحَانَهُ عَنْ خِلَافِ ذَلِكَ ، وَيُنَزَّهُ شَرْعُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِ هَذَا ، وَلَوْ أُبِيحَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ زَوْجَيْنِ فَأَكْثَرَ لَفَسَدَ الْعَالَمُ ، وَضَاعَتْ الْأَنْسَابُ ، وَقَتَلَ الْأَزْوَاجُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَعَظُمَتْ الْبَلِيَّةُ ، وَاشْتَدَّتْ الْفِتْنَةُ ، وَقَامَتْ سُوقُ الْحَرْبِ عَلَى سَاقٍ ، وَكَيْف يَسْتَقِيمُ حَالُ امْرَأَةٍ فِيهَا شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ؟ وَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ حَالُ الشُّرَكَاءِ فِيهَا ؟
فَمَجِيءُ الشَّرِيعَةِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ خِلَافِ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى حِكْمَةِ الشَّارِعِ وَرَحْمَتِهِ وَعِنَايَتِهِ بِخَلْقِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْف رُوعِيَ جَانِبُ الرَّجُلِ ، وَأَطْلَقَ لَهُ أَنْ يُسِيمَ طَرْفَهُ وَيَقْضِيَ وَطَرَهُ ، وَيَنْتَقِلَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ بِحَسَبِ شَهْوَتِهِ وَحَاجَتِهِ ، وَدَاعِي الْمَرْأَةِ دَاعِيهِ ، وَشَهْوَتُهَا شَهْوَتُهُ ؟ قِيلَ : لَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ عَادَتِهَا أَنْ تَكُونَ مُخَبَّأَةً مِنْ وَرَاءِ الْخُدُورِ ، وَمَحْجُوبَةً فِي كُنِّ بَيْتِهَا ، وَكَانَ مِزَاجُهَا أَبْرَدَ مِنْ مِزَاجِ الرَّجُلِ ، وَحَرَكَتُهَا الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ أَقَلَّ مِنْ حَرَكَتِهِ ، وَكَانَ الرَّجُلُ قَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْقُوَّةِ وَالْحَرَارَةِ الَّتِي هِيَ سُلْطَانُ الشَّهْوَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أُعْطِيَتْهُ الْمَرْأَةُ ، وَبُلِيَ بِمَا لَمْ تُبْلَ بِهِ ؛ أُطْلَقَ لَهُ مِنْ عَدَدِ الْمَنْكُوحَاتِ مَا لَمْ يُطْلِقْ لِلْمَرْأَةِ ؛ وَهَذَا مِمَّا خَصَّ اللَّهُ بِهِ الرِّجَالَ ، وَفَضَّلَهُمْ بِهِ عَلَى النِّسَاءِ ، كَمَا فَضَّلَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْخِلَافَةِ وَالْمُلْكِ وَالْإِمَارَةِ وَوِلَايَةِ الْحُكْمِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَجَعَلَ الرِّجَالَ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ سَاعِينَ فِي مَصَالِحِهِنَّ ، يَدْأَبُونَ فِي أَسْبَابِ مَعِيشَتِهِنَّ ، وَيَرْكَبُونَ الْأَخْطَارَ ، يَجُوبُونَ الْقِفَارَ ، وَيُعَرِّضُونَ أَنْفُسَهُمْ لِكُلِّ بَلِيَّةٍ وَمِحْنَةٍ فِي مَصَالِحِ الزَّوْجَاتِ ، وَالرَّبُّ تَعَالَى شَكُورٌ حَلِيمٌ ، فَشَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ ، وَجَبَرَهُمْ بِأَنْ مَكَّنَهُمْ مِمَّا لَمْ يُمَكِّنْ مِنْهُ الزَّوْجَاتِ ، وَأَنْتَ إذَا قَايَسْت بَيْنَ تَعَبِ الرِّجَالِ وَشَقَائِهِمْ وَكَدِّهِمْ وَنَصَبِهِمْ فِي مَصَالِحِ النِّسَاءِ وَبَيْنَ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ النِّسَاءُ مِنْ الْغَيْرَةِ وَجَدْت حَظَّ الرِّجَالِ مِنْ تَحَمُّلِ ذَلِكَ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ وَالدَّأْبِ أَكْثَرَ مِنْ حَظِّ النِّسَاءِ مِنْ تَحَمُّلِ الْغَيْرَةِ ؛ فَهَذَا مِنْ كَمَالِ عَدْلِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ ؛ فَلَهُ الْحَمْدُ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ .
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : " إنَّ شَهْوَةَ الْمَرْأَةِ تَزِيدُ عَلَى شَهْوَةِ الرَّجُلِ "؛ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ .
وَالشَّهْوَةُ مَنْبَعُهَا الْحَرَارَةُ ، وَأَيْنَ حَرَارَةُ الْأُنْثَى مِنْ حَرَارَةِ الذَّكَرِ ؟ وَلَكِنَّ الْمَرْأَةَ - لِفَرَاغِهَا وَبَطَالَتِهَا وَعَدَمِ مُعَانَاتِهَا لِمَا يَشْغَلُهَا عَنْ أَمْرِ شَهْوَتِهَا وَقَضَاءِ وَطَرِهَا - يَغْمُرُهَا سُلْطَانُ الشَّهْوَةِ ، وَيَسْتَوْلِي عَلَيْهَا ، وَلَا يَجِدُ عِنْدَهَا مَا يُعَارِضُهُ ، بَلْ يُصَادِفُ قَلْبًا فَارِغًا وَنَفْسًا خَالِيَةً فَيَتَمَكَّنُ مِنْهَا كُلَّ التَّمَكُّنِ ؛ فَيَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ شَهْوَتَهَا أَضْعَافُ شَهْوَةِ الرَّجُلِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يُجَامِعَ غَيْرَهَا فِي الْحَالِ ، { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ } ، وَطَافَ سُلَيْمَانُ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً فِي لَيْلَةٍ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَهُ عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ شَهْوَةً وَحَرَارَةً بَاعِثَةً عَلَى الْوَطْءِ ، وَالْمَرْأَةُ إذَا قَضَى الرَّجُلُ وَطَرَهُ فَتَرَتْ شَهْوَتُهَا ، وَانْكَسَرَتْ نَفْسُهَا ، وَلَمْ تَطْلُبْ قَضَاءَهَا مِنْ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ الْحِينِ ،فَتَطَابَقَتْ حِكْمَةُ الْقَدَرِ وَالشَّرْعِ وَالْخَلْقِ وَالْأَمْرِ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .
|