الترغيب في الصدقة الجاري
أريد كلمة فيها بيان ما المراد بالصدقة الجارية والترغيب فيها .الحمد للهفإن الله خلق الإنسان لعبادته ، قال تعالى : )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ( الذريات/56وشرع له من العبادات ما ينال به الثواب والأجر الجزيل في الدنيا والآخرة .ولم تقتصر هذه الأعمال والعبادات على الحياة الدنيا فقط ، بل شرع له من الأسباب ما تزداد به حسناته بعد مماته، وهي الصدقات الجارية ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : )إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ، وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ ، وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ( رواه مسلم )3084( .قال النووي رحمه الله في شرح مسلم :"قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ عَمَل الْمَيِّت يَنْقَطِع بِمَوْتِهِ , وَيَنْقَطِع تَجَدُّد الْثوَاب لَهُ, إِلا فِي هَذِهِ الأَشْيَاء الثَّلاثَة ;لِكَوْنِهِ كَانَ سَبَبهَا; فَإِنَّ الْوَلَد مِنْ كَسْبه, وَكَذَلِكَ الْعِلْم الَّذِي خَلَّفَهُ مِنْ تَعْلِيم أَوْ تَصْنِيف , وَكَذَلِكَ الصَّدَقَة الْجَارِيَة , وَهِيَ الْوَقْف " انتهى.وروى ابن ماجه )224( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : )إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ : عِلْمًا عَلَّمَهُوَنَشَرَهُ ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ( حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .والصدقة الجارية هي التي يستمر ثوابها بعد وفاة الإنسان ، ولذلك خصها كثير من العلماء بـ )الوقف( كمن بنى مسجداً ، لأنه يجري عليه ثوابه ما دام الوقف باقياً .وأما ما لا يستمر ثوابه – كإطعام الفقراء والمساكين - فإنه لا يصح أن يسمى صدقة جارية ، وإن كان فيه ثواب عظيم ، إلا أنه لا يسمى صدقة جارية .قال ابن حزم في المحلى )8/151( :" الصَّدَقَةَ الْجَارِيَةَ , الْبَاقِي أَجْرُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ " انتهى .وقال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين )4/13( :الصدقة الجارية : كل عمل صالح يستمر للإنسان بعد موته .والذي يتصدق به الإنسان من ماله ، هو ماله الحقيقي الباقي له ، الذي ينتفع به .فقد روى الترمذي )2470(أنهم ذبحوا شاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتصدقوا بها إلا كتفها، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا بَقِيَ مِنْهَا ؟ قَالَتْ عائشة : مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلا كَتِفُهَا. قَالَ : بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا. صححه الألباني في صحيح الترمذي .والمعنى : أن ما يأكله الإنسان هو الذيسيفنى ولا يبقى له ، وأما ما تصدق به فهو الباقي له عند الله ، ينتفع به يوم القيامة ، وفي هذا الحديث إشارة إلى قوله تعالى : )مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ( النحل/96 .وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلمأن كُلّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ يوم القيامة ، يوم تُدْنَى الشمسُ من رؤوس العباد ، حَتَّى يحكم الله بين الناس. رواه أحمد )16882( وصححه الألباني في صحيح الجامع )4510( .فلتبادر يا أخي بالصدقة ، واحرص أن تكون صدقتك جارية ، حتى تنتفع بها بعد الممات .نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى
|