|
التميز خلال 24 ساعة | |||
العضو الأكثر نشاطاً هذا اليوم | الموضوع النشط هذا اليوم | المشرف المميزلهذا اليوم | |
الرايه الصفراء |
نطالب بإبعاد كرستيانو رونالدو عن النصر
بقلم : الرايه الصفراء |
قريبا |
|
|
|
|
|
|
12-05-2018, 02:56 PM | #4 |
عضو ملكي
|
عرفان المستعربين لجهود العرب:
ويلتقي المؤلف الرحّالة في إشبيلية قرب قصر المورق بشاب جلس بجانبه وقدم له نفسه باسم "رودولفو بريمو" طالب يحضر لنيل درجة الدكتوراه بالأدب العربي في الجامعة المستقلة في مدريد، وهو أصلاً من إشبيلية، ويبادر المؤلف مستوضحاً:"هل يعجبك فن الفلامنكو؟. فيجيبه :"أجل، إنه يبعث في نفسي السرور والحيوية." وينتقلا إلى خيمة كبيرة، ويستمتعا فيها بمتابعة حفل فلامنكو، تحييه فرقة غرناطية معروفة. وعندما كان المؤلف غارقاً في سماع الأغاني الجميلة، قال له "رودلفو:" هذه أغنية مشهورة عن "بو عبديل". فيسأل المؤلف:" من هو بو عبديل؟" قال:"أبو عبد الله الصغير هكذا نسميه بالإسبانية." -:" هل بإمكانك ترجمة الأغنية." هز رأسه موافقاً وبدأ بترجمتها، كما ترددها المغنية بصوتها الشجي، وهي تضرب بقدميها الأرض بقوة، وترفع يديها إلى أعلى في الفضاء. اسم الأغنية "من أجلك بكى أبو عبد الله الصغير" Por ti llora Boabdil ومطلعها: "غرناطة مقطوعةٌ تنشدُ تحت السماء الأندلسية سحب من الشتاء تمنحك إشراقاً وضياءً غرناطة مسلمة ومسيحية من أجلك بكى عبد الله ومن أجلك أموت غماً عندما أكون بعيداً عنك" بعد ترجمته الأغنية، أعلمه "رودلفو" عن أغانٍ كثيرة إسبانية، يتردد فيها صدى أحاسيس مجبولة بوهج الأندلس، وثمة أغانٍ كثيرة تذكر " أبا عبد الله الصغير" لاحظ استغرابي، وعلق قائلاً:" كيف تستغرب؟ إنه من أجدادنا." ثم أضاف مستدركاً:" في ظل مرحلة الحرية الفكرية التي نعيشها، نفتخر بأجدادنا وأصولنا العربية، وبالثقافة الأندلسية التي كان لها الدور الأكبر في بناء الشخصية الإسبانية الحديثة." والمؤلف يسأل رودولفو بريمو :" هل هذا تعلمته في الجامعة؟" قال:"أجل، وتعلمت الكثير أيضاً من قراءة الكتب والروايات والأشعار؛ التي تتماهى مع وميض الأندلس السحري." وقرأ في هذا السياق عدة أبيات شعر للشاعر الإشبيلي "مانويل ماتشادو": "أنا مثل أولئك القوم الذين وفدوا إلى أرضي/ إني لمن الجيش العربي صديق الشمس التليد/ أولئك القوم الذين غنموا كل شيء وفقدوا كل شئ شيء.. ومثل هذه نماذج كثيرة في ثنايا الكتاب. (ينظر:ص 240-241) ويتجول المؤلف الرحّال في حدائق قصر المورق في إشبيلية، ويتمتع بمنظر المشاهد الطبيعية الخلابة، بما فيها من أشجار باسقة ونوافير وقنوات مياه، وفي لحظة يمرّ بمجموعة من زوار القصر، يقفون حول عمود كبير من المرمر الأبيض على مقربة من أشجار تظلله، وقف على مقربة منهم، ولاحظ كلمات مكتوبة عليه باللغة الإسبانية، وسمع صوت مرشد سياحي يترجمها إلى اللغة الإنجليزية، ومفادها، عبارة عن رسالة وفاء من إشبيلية إلى آخر حاكم لها من العرب، مفادها:" من مدينة إشبيلية إلى ملكها الشاعر المعتمد بن عباد، في الذكرى المئوية التاسعة لنفيه الحزين في السابع من سبتمبر 1091." سمع المرشد يتحدث أيضاً عن لوحة تذكارية كبيرة من الخزف مثبتة في أحد أزقة إشبيلية، لاعتماد الرميكية زوجة المعتمد بن عباد، مكتوب عليها باللغة الإسبانية:" اعتماد جارية وملكة أحبها المعتمد وجعلها ملكة على إشبيلية." ومن المعلومات المهمة التي احتواها كتاب د. سميح مسعود خلال رحلته تلك تعرفه على إعجاب الأسبان بالقادة والمفكرين العرب فأقاموا التماثيل لهم : "تطلعت إليّ كارمن، وقالت بحماسة ظاهرة:" ماذا كتبت عن تمثال محمد بن أبي عامر المولود في الجزيرة الخضراء المشهور بلقب الحاجب المنصور؟." قلتُ:"اعتبرته مفاجأة سارة، لأنه أقيم في الجزيرة الخضراء عام 2002 احتفالاً بالذكرى الألفية لوفاة "محمد بن أبي عامر" وأكدتُ على أنه يُعبر عن لمسة وفاء نادرة له من مسقط رأسه، لها أثرها في إبقاء سيرته حية في ذاكرة الأجيال القادمة." ثم أضفتُ:" بينت أن التمثال يُعبر عن تكريم المنتصر لخصمه القديم، على نحو يتجاوز الحدود التعريفية للتكريم الذي يغيب بغياب المناسبات والظروف، ويؤدي في المحصلة النهائية إلى إبراز المكانة التاريخية للمُحتفى به، كقائد كبير ساهم في تشكيل مرحلة مهمة من تاريخ الأندلس." علق "أنطونيو" في غمرة عاطفة واضحة:"إنه تمثال لأحد أبناء الجزيرة الخضراء، موشوم برماد عشرات القرون من السنين من تاريخ بلدي، كلما زرته تذكرت أهلي وناسي." (ص 71-73) اتسعت دلالات هذه الظاهرة لتشمل أسماء قادة وعلماء وشعراء كثر، وأثار دهشتي عندما علمتُ أنه تم إقامة تمثال ضخم من البرونز لعبد الرحمن الداخل، في مدينة المنكب المكان الذي نزل فيه عند وصوله الأندلس، بمناسبة مرور ألف ومائتي سنة على وفاته، وتم في مدينة قرطبة الاحتفال بذكرى الألفية الأولى لوفاة الحكم الثاني الذي تميز حكمه بالازدهار الثقافي الكبير. كما نُظم مؤتمر عالمي في مدينة قرطبة أيضاً بمناسبة مرور ألف ومائتي سنة على تأسيس المسجد الكبير في قرطبة، ونُظم مؤتمر عالمي في مدينة مُرسيه، حول الصوفي الكبير ابن عربي بمناسبة مرور سبعمائة وخمسين سنة على وفاته، واحتفل أيضاً في قُرطبة بمناسبة مرور ألف ومائة سنة على ميلاد عبد الرحمن الثالث. لفتت نظري "سولانا " إلى وجود نُصب تذكارية مهمة، فيها دلالات تكريمية واضحة لعدد من العلماء والفلاسفة والشعراء من مشاهير الأندلس، يُمكنني التعرف عليهم عند زيارتي ملقا وقرطبة. بعد فترة قصيرة غادرنا مكان تمثال "محمد بن أبي عامر" وسُرعان ما انطلقنا من جديد نحو الطريق السريع باتجاه مدينة ملقا. (ص 74) "بينما كنت أرتشف آخر قطرة من قهوتي، ألقيت نظرة على خارطة قرطبة السياحية، ثم تنقلت بنظري باتجاه الأمكنة المجاورة، وقلت لرفيقي مستوضحاً:" ما هو ما اسم الساحة المجاورة لنا ؟." أجابني:" بلازا دي مارتيليه بأنها إحدى ساحات قرطبة الشهيرة" ثم سألني:" هل تعرف سبب شهرتها ؟" قلتً مبتسماً:" وجود نصبٌ نصبٍ تذكاري فيها، لحب خالد جمع الشاعرة ولادة بنت المستكفي والشاعر ابن زيدون." غادرنا الفندق، واتجهنا لفورنا نحو الساحة التي تبعد بضع أمتار عن تمثال ابن رشد. وقفنا أمام نُصب تذكاري من الرخام الأبيض من أجمل ما رأيت في حياتي، تحيطه أربع نخلات باسقة وأشجار برتقال وليمون، لامسته عيناي بإحساس صادق بالفرح، لأن مدينة قرطبة أقامته قبل عدة سنوات للشاعر الأندلسي الكبير ابن زيدون، في الذكرى المئوية التاسعة لوفاته، إنه يبهج النفس لما فيه من لمسات فنية لحب غير قابل للنسيان، وجدته يتشكل في أعلاه من يدين اثنتين متعانقتين متلاصقتين لأشهر عاشقين في التاريخ الأندلسي، يد ابن زيدون ويد حبيبته ولادة بنت المستكفي، وتحتهما على قاعدة التمثال نقشت بحروف نافرة أبيات شعر باللغتين العربية والإسبانية، الجزء الأول منها، تقول فيه ولادة لابن زيدون: أغارُ عليكَ َ من عيني ومنّي ومنكَ ومن زمانك والمكانِ ولو أني خبأتُك في عيوني إلى يوم القيامة ما كفاني وفي الجزء الثاني يقول لها ابن زيدون: يا من غدوتُ بهِ في الناس مشتهراً قلبي عليكَ يُقاسي الهّمَ والفكرا إن غِبتَ لم ألقَ إنساناً يُؤَنسني وإن حضرتَ فكلُ الناسِ قد حَضرا"203" ويقول فيدريكو غارثيا لوركا مبينا حبه للعرب ومآثرهم: ادفنونني تحت الرمال في الصحراء العربية"(ص 3) ومثل هذا التكريم كثير في صفحات الكتاب. و'الرحلات بمثابة مصادر شاملة سجلت فيها جوانب متعددة فيما يخص الجوانب الحضارية على امتداد أزمنة متتالية، فالرحلة تتطلب اتساع المعارف وتنوعها، لأنها تستخدم الجغرافيا، وتستند إلى التاريخ عند التعرض لوصف المسالك والمدن والمعالم وبدايات الأمور، بل ورصد الظواهر الاجتماعية غير المألوفة لديهم، وكذلك الاقتصادية، ويتبعها السياسية بنسب متفاوتة وعرض ذلك بزي الأدب وطابعه."(10) أهمية أدب الرحلات من الناحية الأدبية عندما نلفت النظر إلى ما كتبه د. سميح في كتابه نجد فيه الطابع الأدبي، وهي تعني برصد الواقع ونقل "الصور والمشاهد على نحو يحقق التأثير الوجداني، أو ينقل الأحاسيس والعواطف التي يجدها في نفسه من يجتلي تلك المشاهد والآثار والصور، وهذا البعد هو الذي يملأ النفس متعة وتأثيرا، ويجعل للرحلة سمة أدبية بدلا من أن تقف عند حد التسجيل والتدوين والجمود.(11) فإن الأهمية الأدبية تتجلى في كون كثير مما أورده د. سميح في كتابه يأخذ سبيله إلى عالم الأدب كأنموذج من أرق النماذج على الوصف الفني الحي المتميز بشيء من جماليات الأسلوب، والابتعاد عن الترف اللفظي والطلاء السطحي، ويمتاز بالتعبير السهل المستقيم الزاخر بغنى التجربة والصدق الفني. ونلحظ بوضوح فيه النزعة القصصية "إن وجود النزعة القصصية في الكتاب، وما فيه من حوادث ومواقف تستحث الرحلة على التسجيل، وصياغة هذه الحوادث في أسلوب قصصي يعتمد عنصر التشويق في كثير من الأحيان، والرحلة في حد ذاتها قصة إن لم تتوافر فيها خصائص القصة، فهي تشاركها في بعض خواصها. فإن أدب الرحلة فن يقترب من فن القصة، إن بعض الرحالين جنحوا إلى سرد "القصص التي عاشوها أو سمعوا بها، وكان سردهم لهذه القصص بعفوية وحيوية، قربت الرحلة من عالم القصة... (12) ونلحظ في الكتاب تنوعا في الأسلوب من السرد القصصي إلى الحوار إلى الوصف وغيره، ولكن أبرزه أسلوب الكتابة القصصي، المعتمد على السرد المشوق بما يقدمه من متعة ذهنية كبرى، فأدب الرحلة "خير رد على التهمة التي طالما اتهم بها الأدب العربي، تهمة قصوره في فن القصة، ومن غير شك من يتهمونه هذه التهمة لم يقرءوا ما تقدمه كتب الرحلات من قصص عن زنوج إفريقية وعرائس البحر وحجاج الهند وأكلة لحوم البشر وصناع الصين وسكان نهر الفولجا وعبدة النار والإنسان البدائي والراقي مما يصور الحقيقة حينا ويرتفع بنا إلى عالم خيالي حينا آخر" (13) فمن العناصر القصصية الشخوص في هذه السيرة وبطلها هو الراوي، والمكان يتمثل في المدن الأندلسية وبعض مدن المغرب التي زارها ويتسع فضاؤه ليشمل كل اسبانيا وجزءا من المغرب وكندا والأردن ...، والزمان عام 2018 أثناء زيارته للأندلس وجزءا من المغرب ، والحوار كحوار الراوي مع إزابيلا كما مر سابقا ومع الكثير من المستعربين الذين التقى بهم وحاورهم ومع الأساتذة العرب المقيمين في اسبانيا. ونرى أن الراوي اعتمد على المشاهدة والحكاية فغلب في رحلاته الطابع القصصي والروائي. ففي كتابة الرحلة يقترب كثيرا من فن الرواية والقصة، فنجد في قراءتها لذة ومتعة. كما نرى في سطور كاتبنا سميح الأسلوب المشوق القصصي الجميل. فأدب الرحلة عناصره تقترب كثيرا من عناصر القصة بحيث توجد فيه عناصر أساسية مثل السرد، والحوار، والوصف وغيرها وهو يجمع بين المتعة والفائدة. وأدب الرحلة نوع من السيرة الذاتية لما فيه معلومات مختلفة عن حياة راويه. فالرحلة تتأثر بشخصية كاتبها، فهو لا يهتم بإيراد الحقائق فقط بل التأثير في قارئها أيضا، فيتأثر هذا بشخصيات راويه الرحالة، وطبيعة مزاجه، ونفسيته من خلال ما سجله. فيقدم جانبا من سيرته الذاتية وذلك من خلال سرد كل ما يتعلق به في رحلته، وتبيان حنينه لوطنه وكل ما يتعلق به ويظهر هذا في سطور كثيرة في الكتاب، ومثال ذلك الحديث الذي جرى بين محمود خضير الفلسطيني المقيم في اسبانيا وبين المؤلف د. سميح نقتطف جزءا منه: "أفقت مبكراً في صباح اليوم التالي، أطلت الجلوس في شرفة غرفتي، مستغرقاً في تدوين ملاحظات كثيرة على أوراقي عن نتائج لقاءاتي في الأيام القليلة الماضية، تشكل في معظمها معلومات مهمة استقيتها من أحاديثي مع "أنطونيو" ، بعدها جهزت نفسي للقاء بالطبيب الفلسطيني محمود خضر العبيد، الذي اتخذ من اسبانيا موطناً ثانياً له منذ أربعة عقود. "وبينما كنت أتابع حديث "محمود" توقف فجأة، وسألني مستوضحاً:"ماذا تريد أن تعرف في ملقا؟" أجبته: " معالم كثيرة في مقدمتها "جمعية القدس للتضامن مع الشعوب في العالم العربي" لأنها من الشواهد الحية على العلاقة التاريخية التي تجمع الأندلس مع فلسطين وكامل الدول العربية" وأضفت:" حددت موعداً عبر الهاتف مع رئيسة الجمعية وأحد مؤسسيها "كريستينارويث كورتينا" للقاء بها اليوم في مقر الجمعية في تمام الساعة العاشرة صباحا؛ أي بعد نصف ساعة من الآن." عند ذلك أنهينا جلستنا في الفندق، واتجهنا ثلاثتنا مشيا على الأقدام إلى وسط المدينة، اجتزنا عدة شوارع ثم انعطفنا نحو شارع، على مقربة من نهرغوادا المدينا الذي يخترق ملقا، وسُرعان ما وصلنا العنوان المطلوب في ساحة "بلاثا أيماخن"،حيث يقع مقر الجمعية..دخلناه وبعد دقائق معدودة وجدنا أنفسنا وجهاً لوجه مع رئيسة الجمعية "كريستينا"ومدير التعاون الدولي "خافيير ديث ماريانا"وعدد من عضوات الجمعية. جلسنا في قاعة على جدرانها خليط ملصقات كثيرة، تماوجت أمام نظري، تنقلت ما بين واحدة منها وأخرى، ظلت عيناي معلقتين بها فترة من الوقت، وجدت بينها ملصقا كبيرا مكتوب عليه ببنط كبير كلمة "نكبة" التي ترمز للمأساة الإنسانية المتعلقة بالتهجير القسري الجماعي لشعبي عام 1948، وفي أعلى الملصق صورة مفتاح كبير أحد رموز حقه في العودة إلى وطنه وأرضه، وبينما كانت الأفكار تدور في رأسي سريعة متدفقة، لاحظت وجود صور أخرى للقدس وغزة ولفلسطين ما قبل النكبة، تتشابك على الجدران مع صور للصحفي الإيطالي فيكتور أريجوني، وللناشطة الأمريكية راشيل كوري، وللمناضلة عهد التميمي وللطفل الفلسطيني حنظلة.. صور تعج بحكايا كثيرة مسكونة بمعاني وطنية محسوسة. ص 87 ومنها أيضا ما سبق من توضيحه انه في صغره وهو في الصف السادس الابتدائي كان شغوفا بالمطالعة الخارجية واشتراكه في تمثيلية جرت في مدرسته حول فتح الأندلس... فوائد أدب الرحلات يعرف قارئ الأدب الرحلة –عن بلاد أجنبية.وثقافتها، وهيئتها الاجتماعية، وأخبار أهلها وجغرافيتها ومناظرها الجميلة. ويسرد معلومات تاريخية قيمة هو نفسه أو من التقى بهم خاصة إن كان الرحال كاتبا قديرا كما هو الحال عند د. سميح، فالقارئ كأنه يرى هذه الأشياء رأي العين، ويحسب نفسه مرافقا للرحالة. وبالإضافة إلى ذلك يتمتع بأدبه وأسلوبه..وينقل لنا الراوي أخبارا يجهلها الكثير من الناس في زمننا هذا: "فرغنا من الطعام، وبعد فترة من الوقت طلبنا من النادل شاياً من النعناع، وأثناء تناولنا رشفات منه، طاف "أنطونيو" في نسيج سردي مُسهب حول تفاصيل مشروع دراسة تتصل بأمريكا اللاتينية، وبفرضيات أندلسية قديمة الجذور، مؤداها أن كولمبوس لم يكن أول أوروبي يضع قدميه في الأمريكيتين، وأن بحارة من عرب الأندلس عبروا بحر الظلمات قبله، واكتشفوا مجاهل الدنيا الجديدة. وبين بنفسية متفتحة بأنه سيزور بوليفيا الأسبوع القادم، لإعداد دراسة ميدانية، يتأمل أن يكشف فيها عن قرائن جديدة، تؤكد على فضل الأندلسيين في اكتشاف أمريكا الجنوبية. في لحظة سألني:"هل اطلعت على معلومات تتصل بهذا الموضوع؟" قلت:" معلوماتي عنه محدودة، ولدي رغبة لمعرفة المزيد، وقد حصلت مؤخرا على كتاب للكاتب الأمريكي "جيرالد ديركس"حول الإرث العربي المنسي في التاريخ الأمريكي، لم أبدأ بقراءته بعد." أجابني:" ثمة معلومات مفيدة كثيرة مسجلة في كتب ومجلات ودراسات جادة، حول هذا الموضوع الأثير إلى نفسي، ومن أهم من قرأت لهم الكاتب الأمريكي "جيرالد ديركس" والفنزويلي دون رفائيل دونقالس الذي يعتز بجذوره الأندلسية العربية، والرحالة الأوروبي ريتشارد فرانسيس برتون، والباحث خايمي كاثيريس إنريكيث من البيرو، والمؤرخ البرازيلي جواكين هيبيرو الذي أثبت أن الأندلسيين اكتشفوا البرازيل قبل اكتشاف البرتغال لها عام 1500 ميلادية" (ص 82-83) اللغة إن اللغة التي كتب بها الكاتب لغة الوصف، لغة قوية متماسكة، فيها حلاوة العبارة وطلاوتها بما تحمله من صور فنية عذبة، تتوالى فيها الانزياحات الجميلة التي تثير انفعال المتلقي وتولد في خلده الدهشة، فالراوي يفصِّل لنا بشكل دقيق خط سير الرحلة ومعالمها ويقرب لنا الصورة وكأنها مشهد من مشاهد الأفلام الوثائقية للأماكن، ويرصد الجانب التاريخي، فيجعل المتلقي أمام صورة عبرت نهر الزمن لتصل أمام ناظر المتلقي بهذا الجمال كله، فالوصف الدقيق يعبر عن يوميات لا تخلو من مزجها بتاريخ المنطقة، ولكنه يعطي للمكان حقيقة فعلية، وهو يعيش تفاصيل الصورة من عدة زوايا مختلفة الرؤى، يصف لنا الصورة بروح مشوقة خلّابة مستعيداً دائما شريط ذكرياته، وهو ينقلنا بين الماضي والحاضر بأسلوب مشوق وجذاب. وشخصيات الرحلة المرافقة للكاتب لها حضور بارز، ونجد عند الكاتب الاهتمام بقوة اللغة الواصفة والساردة للأحداث وحسن اختياره للألفاظ المعبرة والمدهشة، وذلك لما يتميز به أدب الرحلات من الإثارة والإدهاش، من خلال رؤية الإنسان للإنسان أو من خلال رؤيته للعالم المحيط به من نباتات وجمادات وفنون للعمارة والمدينة والأرياف والأدغال والأضواء والجبال والطبيعة وشروق الشمس وغروبها في مناطق محددة بشكل عام. والالتقاء بالمستعربين الأسبان والمواطنين العرب المقيمين في اسبانيا في الكتاب حضور لافت للانتباه، وذلك لأهمية مواصلة الرحلة والكشف عن حضارة الأندلس وربط الحاضر بالماضي وإنصاف العرب في الأندلس من قبل الكثير من المستعربين الأسبان، وكذلك الولوج لبعث وبث صورة من المعاناة النفسية للفلسطينيين وتبان الكاتب من تعاطف الكثير من الأسبان لهم ولقضيتهم، ووصفه للرقص الفلامنكو تارة وبث الوصف المعبر عن الجمال المعماري تارة أخرى، وما خلفه العرب من إرث حضاري ساهم في النهضة الحديثة. وقد اهتمّ الراوي بطباع الناس وطبقاتهم وألوانهم وانتماءاتهم وصفاتهم ولغاتهم. وذكر علماء تلك البلدان، وتحدث عن مدارسها وفنادقها وساحاتها وحدائقها ومساجدها وكنائسها وجامعاتها ومكتباتها، وعن الأدباء والشعراء والعمران. لقد صوَّر د. سميح الطبيعة بتضاريسها من جزر وجبال وسهول ووديان وأنهار وهضاب وجمال كل. ونقل أخباراً ومشاهد وأوصافا وتعليقات وملاحظات موجزة، ثم عمد إلى تهذيبها وصوغها بأسلوب جميل، وشرع في سرد حكاياته وقصصه صاغها بأسلوبه الجميل، وقد اعتمد على النظر فيما يكتبه ويرويه، كما اعتمد على السمع، وعلى قراءة ومطالعة الكتب والأخبار. فكاتبنا د. سميح أديب وشاعر ومكتشف؛ لذلك جاءت كتاباته سجلاً وافياٌ ودقيقاً وعميقاً عن انطباعاته حول حياة الاسبان والمدن التي زارها، ومظاهر سلوكهم وعاداتهم وتقاليدهم ونظمهم الاجتماعية والسياسية إلخ.. أسلوب كتابة الرحلة: وأدب الرحلة عون للباحث الأدبي ( الناقد ) في الوقوف على بنية الأسلوب، والسرديات وتسجيل مدونة الرحلة، لذا فإن التعامل مع أدب الرحلات من المنظور النقدي يكشف الكثير من الرؤى والفنيات الأدبية والأسلوبية . يعمد الرحّالة إلى تضمين الرحلة بعضاً من أقوال العلماء والأشعار، ويرى في ذلك تأكيداً لكلامه، كما يشيع في الرحلة الحوار، والمشهد القصصي فيها مستمر، والوصف من أدواتها الرئيسة، ومن أجل إضفاء الحيوية، وإبعاد الملل، وإثارة التشويق لدى القراء. وفي الختام إننا ندعو المتلقي في أي مكان وزمان الغوص في هذا الكتاب لاكتشاف الكثير من المتعة والإثارة، والتعرف عن قرب على مدن ومناطق وأمكنة جميلة كجمال الوصف عند الكاتب، ونوجه له شكرنا البالغ على تقديمه لمثل هذا العمل وتضمينه مائدة القارئ، وندعوه إلى رصد المزيد من الرحلات الجميلة، التي يقوم بها ضمن نشاطه الثقافي الحافل بالعطاء والحافل بالكثير من التنقل والترحال الذي يعتبرا جزءاً لا يتجزأ من عمله المخلص في خدمة الثقافة والفكر وإثراء الأدب واللغة والتاريخ؛ ونحن نتطلع إلى مزيد من الإصدارات القادمة في أدب الرحلات بما يعود بالنفع لصالح وطننا والأمة. وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين شبكة جماهير الوفاء تشكر الاستاذ ماجد جابر استاذ اللغه العربيه |
|
|
|
|
|
|
|
|
ادارة المنتدى غير مسؤوله عن التعامل بين اﻻعضاء وجميع الردود والمواضيع تعبر عن رأي صاحبها فقط |
|
|