|
التميز خلال 24 ساعة | |||
العضو الأكثر نشاطاً هذا اليوم | الموضوع النشط هذا اليوم | المشرف المميزلهذا اليوم | |
فارس البقمي |
ذهٌٍîًàيû è êàôه
بقلم : bozRoabs |
قريبا |
|
|
|
|
|
|
#1
|
|||||||
|
|||||||
استخدام التناظر الوظيفي والقياس في علم الآثار
استخدام التناظر الوظيفي والقياس في علم الآثار
إيان هودر ترجمة أ.د. أسامة عبدالرحمن النور ديسمبر 2004 الماضي هو الحاضر بمعنى أن إعادة التركيب التي نقوم بها لمعنى المعطيات من الماضي تعتمد على التناظرات الوظيفية والقياس مع العالم المحيط بنا. هدف محاضراتنا هو الوصول إلى صياغة منهج أكثر شمولية من قبل علماء الآثار للمادة الاثنوغرافية المتوفرة وللمفاهيم الأنثروبولوجية. على كل، لن نحاول بالطبع الرجوع إلى كل عمل كتب حول هذا الموضوع. حتى لو أن ذلك كان ممكناً، رغم أننا نشك في ذلك إذا قدرنا المدى الواسع لموضوع دراستنا، من ثم فإن اهتمامنا سينصب على توفير تقييم نقدي لاستخدام التناظر الوظيفي والقياس في علم الآثار عن طريق تقييم مدى نموذجي من الأمثلة. يعتمد كل العمل الآثاري على التناظر والقياس ويمكن أن تكون عملية الاستنتاج القائمة على التناظر والقياس محكمة وصارمة. لكننا لا نستطيع، كما يُدعى أحياناً، أن "نختبر" بدقة التناظرات والفرضيات الناجمة عن استخدامها. لا يستطيع علماء الآثار لا إثبات ولا دحض فرضياتهم على أساس معطيات مستقلة. كل ما يستطيعون تحقيقه هو توضيح أن فرضية أو نظير واحد أفضل أو أسوأ من آخر، نظرياً ومن حيث علاقته بالمعطيات. في هذا الفصل الأول، سنناقش سلسلة من الطرق التي تدعم التناظرات الوظيفية والقياس أو تنقدها والتي استخدمت بالنسبة للمعطيات الآثارية. "اختيارنا" لما هو تناظر متواصل يعتمد على الأقل جزئياً على تصوراتنا القبلية الخاصة. هذه الإفادة لا تعني أن النظريات غير متأثرة بالمعطيات لأنها في الواقع تتأثر بها. لكنها تعني أن معرفتنا بالماضي تعتمد على الحاضر وأن مهمة عالم الآثار الصارم ذو الضمير الحي تكمن في إزالة نسبة الافتراضات وفي تحقيق المعرفة النقدية الذاتية، بخاصة فيما يتعلق بأيديولوجيات الثقافة المادية – فالمادة التي ينقبها علماء الآثار من الماضي. يهتم علم الآثار العرقي (الاثنوأركيولوجيا)، وهو علم تعميمي للثقافة الإنسانية، بدراسة الثقافة المادية للمجتمعات المعاصرة والمجتمعات التقليدية ما قبل الصناعية بهدف إنجاز معرفة أكبر بأنفسنا وإعادة تركيب أكثر دقة للماضي عن طريق تفسير تلك المعطيات. إن علم الآثار يعرف ليس فقط من حيث كونه يهتم بالماضي وبالتغيرات الكرونولوجية طالما أن ذلك هو في الأساس فضاء خاص بالمؤرخين. الأقرب، إنه علم يتميز باهتمامه بفضاء الثقافة المادية. هدفنا كعلماء للآثار، وكأعضاء في مجتمع، وكطلاب دارسين للماضي، وككتاب نهتم بالماضي، هو تحقيق وعي ذاتي نقدي فيما يتعلق بالثقافة المادية. مثل هذا المشروع البحثي لا يشمل الخلط بين مناهجنا وأهدافنا. الأصح أنه مشروع يسعى إلى التعرف على أهداف جديدة لعلم الآثار، نتيجة عدم القناعة بأساليب التناول التطورية التي تسعى للتعرف على قوانين التغير الاجتماعي. استخدام التناظر الوظيفي والقياس عندما ينقب عالم الآثار ويستخرج موضوعاً من باطن الأرض ويقول بأن ذلك الموضوع هو "فأس"، كيف له أن يعرف ذلك؟ قد يؤرخ الموقع الذي عثر فيه على الموضوع إلى ألفية سابقة للسجلات المكتوبة، فكيف، إذن، عرف أنه فأس؟ الإجابة هي، في الحقيقة، أنه لا يعرف. كل ما باستطاعته أن يفعله هو أن يطرح تخميناً منطقياً على أساس أن الموضوع القديم الذي بين يديه يبدو مثل الفؤوس التي شاهدها في مجتمعه أو في مجتمعات معاصرة أخرى. في النصف الأول للقرن التاسع عشر، أرجع العالم الدنمركي لوند Lund فؤوساً حجرية مصقولة من البرازيل لمقارنتها بأدوات أثرية دنمركية. دعمت هذه المعلومة وجهة نظر علماء الآثار الاسكندنافيين مثل نلسونNilsson والقائلة بأن أدوات صنعية متشابهة عثر عليها في ترابهم كانت بالتأكيد فؤوساً "بدائية". وجدت موضوعات حجرية مصقولة منتشرة بكثرة في أوربا وكان لها شكل فؤوس بجوانب حادة؛ وسميت فؤوساً لتناظرها مع موضوعات حديثة. لدعم تفسير الفأس يمكن لعالم الآثار أن يختبر جانب الأداة عن طريق ميكروسكوب ليظهر أن هناك آثار للتآكل بفعل القطع؛ وقد يجري تجارب لإظهار أنه يمكن قطع شجرة باستخدام مثل هذا الموضوع؛ كما ويمكنه أن يجري دراسات غبار الطلق (اللقاحات) لبيئة الموقع ما قبل التاريخي حيث تم العثور على الموضوع وذلك ليثبت أن الأشجار كانت قد قطعت في المنطقة. مع ذلك فإن كل تلك الدراسات المساعدة طورت لدعم التناظر الوظيفي المبدئي أو إضعافه. الشئ نفسه يمكن قوله تقريباً عن كل تفسير آخر يقدمه عالم الآثار للماضي. نادراً ما يوضح مباشرة الأغراض التي استخدمت لها الموضوعات ما قبل التاريخية. عليه أن يخمن، مستخدماً التناظرات الوظيفية والقياس. بالتالي، فإنه عندما يكتشف دائرة حفر أعمدة في الأرض ويقول "هذا منزل"، فإنه يكون متأثراً بالبينة المتوفرة عن وجود منازل مستديرة يعيش فيها الكثير من الأفارقة والهنود الأمريكيين. الكثير من مثل هذه التفسيرات قد تبدو واضحة بالنسبة لعالم الآثار وقد يكون غير مدرك مطلقاً بأنه يستخدم التناظر الوظيفي والقياس. لا يحتاج الأمر إلى معرفة خبير لوصف موضوع بأنه فأس، أو إبرة، أو ساطور، أو سيف، أو درع، أو خوذة. وتجذرت في التدريس الآثاري فكرة أن دوائر حفر الأعمدة تدل على منازل بحيث أن عالم الآثار لم يعد يسأل عن الأصل الاثنوغرافي للفكرة. استخدامات أخرى للتناظرات الاثنوغرافية تكون أكثر وعياً ومحسوبة. عندما تجرى محاولة لإعادة تركيب نظام العلاقات الاجتماعية ما قبل التاريخية، والتبادل، وطقوس الدفن والأيديولوجيات من شظايا بينة آثارية، فإن عالم الآثار يبحث عن متوازيات وتناظرات معقولة وسط المجتمعات التقليدية الحالية في أفريقيا وآسيا وأمريكا، أو في المجتمعات الأوربية التاريخية. من ثم، فإنه وفي كل تفسير تقريباً للماضي، فإن على عالم الآثار أن يستند إلى معرفة مجتمعه والمجتمعات الأخرى المعاصرة حتى يتمكن من شحن هيكل البقايا باللحم والشحم. هكذا يبدو أن الأخذ بالتناظرات الوظيفية تقوم بدور أساسي في الاستنتاج الآثاري. مع ذلك، حاول بعض علماء الآثار في الفترة الأخيرة إلغاء استخدام التناظرات الوظيفية لكونها غير موثوقة، وغير علمية، وتمثل شكلاً من المحدودية. لماذا هذا التوجه؟ إشكاليات التناظر الوظيفي تفسير الماضي باستخدام التناظر الوظيفي والقياس عد أمراً غير موثوق بسبب، إذا كانت الأشياء والمجتمعات في الوقت الحالي وفي الماضي متشابهة في بعض الجوانب،فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنها متشابهة في جوانب أخرى. كمثال لهذا النوع من الصعوبة يمكننا أن نشير إلى إعادة التركيب التي قام بها جراهام كلارك Clark,1954 للحياة في العصر الحجري الوسيط (الميزوليتي) في موقع ستار كار Star Carr بمقاطعة يوركشير في إنجلترا. يقترح كلارك (ص. 10- 12) أن بينة صناعة الجلود في ستار كار تشير إلى وجود نساء مناظرات للسكان الصيادين في شمال أمريكا وجرينلاند. فوسط الاسكيمو الكاريبو تكون النساء مسؤلات عن سلخ الحيوان الذي يقتل وعن تجهيز الجلد للاستخدام، ويقترح كلارك الوضع نفسه بالنسبة للصيادين– الجامعين الميزوليتيين في يوركشير. على أساس وجود النساء، يستمر كلارك ليطرح تكهناً بأعداد السكان الذين عاشوا في ستار كار، وشكل تقسيم العمل. إن بيئة، وتقنية، واقتصاد الصيد – الجمع لسكان ستار كار والاسكيمو، بصورة مائعة وعامة، قابلة للمقارنة. لكن هل تلك التشابهات العامة في بعض الجوانب كافية بحيث تسمح لنا باستنباط علاقات متداخلة في جوانب أخرى؟ لا يبدو أن هناك سبب للاستنتاج بأن تصنيع الجلود وسط الاسكيمو الحاليين، وفي 7.200 ق.م. في ستار كار قد نفذ من قبل الجنس نفسه (الإناث) لكون المجتمعين كان لهما الاقتصاد نفسه والبيئة ذاتها. من ثم يبدو لنا أن تفسير كلارك غير موثوق إلى حد ما. يبدو كلارك، في نموذج ستار كار، وكأنه يفترض "تساوقاً" حتمياً؛ انه يفترض أن المجتمعات والثقافات المتشابهة في بعض الجوانب هي بالتساوق متشابهة. مثل وجهة النظر هذه غير موثوقة، بخاصة إذا ما أخذنا المساحات الزمنية الطويلة التي أجريت فيها المقارنات وكذلك التنوع الكبير للأشكال الثقافية الحالية. صادف أن استخدم كلارك اسكيمو شمال أمريكا، لكنه كان يمكنه اختيار مجتمعات أخرى قام فيها الرجال لا النساء بتصنيع الجلود. إذا كانت التناظرات الوظيفية غير موثوقة، فإنها ستكون بالقدر نفسه غير علمية. أو هكذا تجري المجادلة. لقد طرح العديد من علماء الآثار في الآونة الأخيرة أنه لن يمكننا مطلقاً أن نراجع أو نثبت التناظرات الوظيفية بسبب أنه يمكننا دوماً الكشف عن تناظرات وظيفية بديلة والتي يمكن أن تناسب المعطيات من الماضي بالقدر نفسه. ولأن التشابهات في بعض الجوانب لا تعنى بالضرورة ولا بالمنطق تشابهاً في جوانب أخرى، فإننا لن نثبت مطلقاً تفسيرات من نوع تفسير كلارك لموقع ستار كار. مثل هذا التفسير الآثاري ينظر إليه مثل كتابة رواية ذاتية، مجرد تكهن دون أية قاعدة علمية. في حين سنشرح لاحقاً أن إلصاق تهم عدم الموثوقية ومعاداة- العلمية تنطبق في الواقع على الاستخدام الخاطئ للتناظر الوظيفي والقياس، فإن توجيه الاتهام للتفكير التناظري بأنه يحد معرفتنا للماضي ويعيقها هو أمر علينا أخذه في الحسبان أيضاً. يبدو منطقياً أنه في حالة تفسيرنا للماضي انطلاقاً من تناظره مع الحاضر، فإننا، كما يشير دالتون Dalton,1981، لن نكتشف مطلقاً أشكال المجتمع والثقافة التي لا وجود لها الآن. يكون تفسيرنا محدوداً بمدى معرفتنا للمجتمعات الحالية. وطالما أن هذه المجتمعات، الصناعية منها وغير الصناعية، تمثل سلسلة شديدة التخصص لتكيفات اقتصادية واجتماعية وثقافية متداخلة فيما بينها، فإنه يبدو من غير المحتمل أن تمثل بصورة دقيقة كل مدى الأشكال الاجتماعية التي وجدت في الماضي. بالتالي لن نتمكن أبداً من فهم مجمل التنوع المميز لمجتمعات ما قبل التاريخ. على كلٍ، نقول ما هي العبرة في أن نكرر معرفتنا بالمجتمعات المعاصرة بإلصاق لافتات على مجتمعات الماضي؟ مختلف أنواع النقد الموجه لاستخدام التناظر الوظيفي في البحث الآثاري قاد إلى بروز إفادات متطرفة رافضة للتفكير التناظري في التفسير الآثاري. ادعى فريمان Freeman,1968:262 بأن "الاحباطات الأكثر جدية في النماذج الحالية لتفسير البينة الآثارية ترتبط مباشرة بحقيقة أنها تدمج العديد من التناظرات بالمجموعات الحديثة". في حين أن القليلين من علماء الآثار قد لا يذهبون الآن إلى المدى الذي ذهب إليه فريمان، فإن اتفاقاً عاماً يكاد يكون قد تم التوصل إليه بشأن تحجيم استخدام التناظرات الوظيفية. أشار أوكو Ucko,1969 إلى المخاطر المحتملة في تفسير النشاطات الجنائزية في الماضي باستخدام التناظرات، كما أن بينفورد Binford, 1967 أشار إلى أن التفكير التناظري يظل بلا قيمة في حالة إذ لم يقرن مع إجراءات الاختبار العلمية الصارمة. اقترح ترنجهام أيضاً Tringham,1978:185 أنه يتوجب علينا بذل المحاولة والابتعاد عن كشف التناظرات التي يمكن تطبيقها على المعطيات الآثارية، هذا في حين حاول جولد Gould,1978 الانتقال إلى "ما وراء التناظر الوظيفي". سأبذل محاولة لتوضيح أن تلك التقييمات لقيمة التناظر الوظيفي والقياس في علم الآثار مظللة بغيوم الفكرة الخاطئة عن الطبيعة والاستخدام السليم للتناظر. سيكون من الممكن حينئذ إعادة تقييم الفرضية القائلة بعدم الموثوقية، وعدم العلمية. الاستخدام الأمثل للتناظر الوظيفي والقياس كشكل من أشكال الاستدلال، يمكن تعريف التناظر الوظيفي بوصفه "نقل المعلومة من موضوع واحد إلى آخر على أساس شئ من العلاقة المقارنة بينهما" Umeov,1970; Wylie,1980. الاستخدام الأمثل لمثل هذا التناظر تمت مناقشته من قبل فلاسفة العلم Hesse 1974; Copi,1954; Umeov,1970 ويمكننا أن نصل من أعمالهم إلى استنتاجات عامة (انظر: Wylie,1980). يمكن إبراز تمييز بين التناظر الشكلي والتناظر الارتباطي. طبقاً للتناظر الشكلي يطرح بأنه إذا كان لموضوعين أو حالتين خصائص مشتركة، فإنهما لا بدَّ وأن يمتلكا تشابهات أخرى. مثل تلك التناظرات تكون ضعيفة من حيث أن الارتباطات الملاحظة لخصائص الموضوعات أو الأوضاع قد تكون صدفية أو عرضية. من ثم تحاول تناظرات أخرى، من النوع الارتباطي، تحديد بعض العلاقة الطبيعية أو الثقافية بين الجوانب المختلفة في التناظر. الأشياء المتنوعة المرتبطة في إطار التناظر يقال بأنها تعتمد بعضها على البعض وليست مرتبطة صدفة. هناك في الواقع تواصل للتنوع من التناظر الأكثر شكلية إلى الارتباطي. المؤسف، نزعت معظم الاستخدامات الآثارية للتناظر للبقاء ضمن مدى الحد الشكلي. إن تفسير كلارك لـ ستار كار هو في الواقع تناظر شكلي من حيث القول بتشابه كل من الموقع الميزوليتي والاسكيمو في بعض الجوانب (البيئة، والتقنية، والاقتصاد) وبالتالي فإنهما متماثلان في جوانب أخرى (قيام النساء بتجهيز الجلود). لم يقدم كلارك ربطاً بين جزئي تناظره؛ لم يقل لنا لماذا يجهز النساء الجلود في مثل تلك البيئات، والتقنيات، والاقتصاديات. هناك الكثير من الأمثلة الأخرى. في عصر الحديد المتأخر وجدت في جنوب انجلترا، أربع أو ست حفر أعمدة في أعلى التلال ورتبت مواقع الإقامة في مربع يصل إلى 3x3 متر. قادت التناظرات مع مجتمعات معاصرة وحديثة بـ بيرسو Bersu,1940 أن يقترح بأن حفر الأعمدة تلك احتوت على أعمدة ثبتت صوامع ذات أرضية مرتفعة. التشابه الشكلي في مربع الأعمدة في المجتمعات الزراعية الماضية والحالية عد مؤشراً لوجود وظيفة فوق- أرضية مماثلة. كيف يمكن تقوية مثل هذه التناظرات الشكلية؟ فكلما تزايدت التماثلات التي يمكن التعرف عليها بين الحالتين الخاضعتين للمقارنة، كلما توقعنا تشابهات أخرى. يصبح التناظر الشكلي أكثر معقولية بتزايد عدد المتشابهات. في نقطة محددة، يصبح حجم النقاط التي يمكن المقارنة بينها وعددها من كبر الحجم بحيث يصبح من غير المنطقي افتراض اختلافات في القليل من الجوانب التي لا تعرف لها مقارنات. بالتالي، فإنه في مثال ستار كار، إذا تمكنا من تعداد سلسلة طويلة من الأساليب التي مثل فيها موقع ما قبل تاريخي صورة طبق الأصل من موقع الاسكيمو الحاليين، فإن التشابهات في "اللا معروف"، بما في ذلك من قام بتجهيز الجلود، يمكن توقعها أيضاً. التشابه بين "تربيع" ترتيبات حفر الأعمدة في المواقع القديمة والحالية يمكن أن يزداد عن طريق الدراسة التفصيلية لأبعاد حفر الأعمدة، عرضها وعمقها، وعن طريق مراعاة ظروف التربة، ووجود طفيليات ورطوبة يمكنها أن تجعل تخزين الحبوب في مكان مرتفع عن الأرض أمراً ضرورياً، وكذلك عن طريق البحث عن بينة لحبوب داخل الحفر. كلما تزايد عدد التشابهات بين ترتيبات حفر الأعمدة القديمة وبين الصوامع الحالية المرتفعة عن الأرض، أصبح تفسير ظاهرة عصر الحديد انطلاقاً من مصطلحات التخزين أكثر قبولاً. أحد الطرق لزيادة عدد التشابهات الشكلية بين حالات الماضي والحاضر يكمن في مقارنة موقع أثري بالمواقع الحديثة في المنطقة عينها. بالتالي في أفريقيا يمكن في حالات تفسير مواقع ما قبل التاريخ على أساس التناظرات في المنطقة نفسها، أي بافتراض استمرارية المعطيات الآثارية والاثنوغرافية. مثل هذا النوع من المقارنات يؤلف ما يعرف بـ "التناول التاريخي المباشر" في علم الآثار. في حين يمكن افتراض علاقة بين الماضي والحاضر، فإنه يكون من الأيسر الاعتراف بالعديد من التشابهات الشكلية بين المعلومات التي تجري مقارنتها. إذا لم يصبح ممكناً إتباع التناول التاريخي المباشر، فإنه يمكن تقوية التناظرات الشكلية باللجوء إلى استراتيجيات مختلفة جداً. بدلاً عن الاكتفاء فقط بزيادة عدد التشابهات بين مصدر التناظر وموضوعه، فإن التشديد على مدى الحالات التي يمكن فيها الربط بين خصائص التناظر المختلفة. بالتالي، إذا أصبح من الممكن تبيان، غض النظر عن البيئة أو الاقتصاد، أن صناعة الجلد دائماً ما تعد وظيفة نسائية، فإن تفسير كلارك لموقع ستار كار سيكون أكثر صلاحية. التشابه، إذا أمكن توضيح كون أنماط حفر الأعمدة ذات الأبعاد التفصيلية المحددة كانت، في الأمثلة الحديثة والتاريخية، مرتبطة دائماً بالصوامع المرتفعة عن الأرض، فإن تفسير عصر الحديد سيكون أكثر موثوقية. إلا أنه في الواقع، لا يمكن إثبات أي من الارتباطين. مع ذلك يبقى ممكناً تثبيت استخدام التناظر عن طريق التأكيد على اتساع مداه. في علم الآثار الحديث أصبحت مثل هذه الإفادات واسعة المدى، والصالحة للاستخدام بالنسبة لمختلف الثقافات والبيئات، تعد أحياناً قوانين كل- ثقافية (cross-cultural laws). قدم شيفر، وهو أحد دعاة تطوير القوانين الكل- ثقافية، أو "المترابطات"، الكثير من الأمثلة. يصف شيفر Schiffer,1978:233 القانون المشتق من الدراسات الاثنوغرافية المفصلة التي قام بها يلين Yellen,1977 والتي مفادها أن التنوع في النشاطات الإعاشية المتبعة في موقع إقامة يتغير بصورة مباشرة بطول فترة الإقامة. بالتالي فإن "القانون"، والذي هو في هذه الحالة ليس أكثر من مجرد تعبير ارتباطي، يقول بأنه كلما طالت إقامة مجموعة في المكان نفسه، كلما مارست أنواعاً مختلفة من النشاطات. ويشير شيفر (المرجع السابق: ص.244) إلى أن هذه الملاحظة صيغت بصورة مستقلة في أوضاع مختلفة. لدى الدعوة لموثوقية التناظر، يتم الرجوع إلى مدى واسع من المجتمعات والثقافات التي تنطبق عليها العلاقة المفترضة بين طول فترة الإقامة وعدد النشاطات. يمكن تحديد جانب ثالث لتقوية التناظرات الشكلية. الاستنتاجات التي يتم التوصل إليها من التناظر يجب ألا تكون طموحة للغاية فيما يتعلق بعدد التشابهات بين المصدر والموضوع. في المثال الذي يورده كلارك، القليل من الاهتمام وجه لتعداد التشابهات بين صيادي ستار كار والاسكيمو ومع ذلك فإن التفسيرات التي قدمت كانت جد طموحة. على أية حال، فإن تفسيراً حذراً ومتواضعاً يعتمد على أعداد كبيرة من الأدلة قد يبدو مقبولاً أكثر. يمكننا أن نقوي تناظراتنا بزيادة عدد التشابهات ومداها بين موضوعات الماضي والحاضر، والمقارنات المعقودة في المدى الشكلي ستظل دوماً مغطاة بغيوم عدم الموثوقية وستظل دائماً صيداً سهلاً للسخرية وعرضة للاتهام بمعاداة العلمية. بخاصة، سيكون من الممكن دائماً توفير أمثلة تجعل الارتباطات أو العلاقات الترابطية المفترضة عرضة للانهيار. اللهجة المحبطة التي ميزت بحث أوكو Ucko,1969 الخاص بالتناظرات بالنسبة لتفسير البقايا الجنائزية مشتقة من حقيقة السهولة التي يمكن له بها تبيان كون الجوانب المختلفة للدفن، مثل وضع الجثمان متجهاً إلى الشرق، أو وجود مقابر غنية، قد يعني أشياء مختلفة في مجتمعات مختلفة. تكثر الكتابات الأخيرة في مجال علم الآثار من ترديد "القصص التحذيرية" التي تظهر سهولة وقوع علماء الآثار في الأخطاء لدى استخدام تناظرات معينة طالما أنه توجد تفسيرات بديلة. يهتم علماء الآثار بزيارة مواقع هجرت حديثاً، ويحاولوا تفسير البقايا كآثاريين، ثم يسألون سكان الموقع عما حدث هناك بالفعل. بصورة ثابتة يتضح أن تفسيرات الآثاريين مخطئة. كل هذا التشاؤم والحذر ينتج عن التشديد الأكثر من اللازم على التناظرات الشكلية في مواجهة التناظرات الارتباطية. بالطبع، يمكن الكشف عن تناظرات مغايرة تلائم سلسلة المعطيات الآثارية نفسها إذا بحثنا فقط عن التشابهات الشكلية في ترتيب حفر الأعمدة وإذا ما قمنا ببساطة بتعداد ارتباطات السمات. إن التناظرات، غض النظر عن مصدرها المشتقة منه، لا بدَّ وأن تكون ملائمة لموضوع الدراسة في الماضي. التناظرات الارتباطية تهتم بالتالي بتبيان أن التشابهات بين أوضاع الماضي والحاضر متلائمة مع "اللا معروف" الذي يتم تفسيره، في حين أن الاختلافات التي يمكن ملاحظتها لا تهم بحال؛ إنها غير ملائمة في الحقيقة بسبب عدم وجود علاقة بين ما هو مختلف وما يعتقد بأنه مشابه. تفترض الاستخدامات الآثارية للتناظر عادة، مع أنها نادراً ما تنطق بذلك، بعض العلاقة الضرورية بين الجوانب المختلفة للتناظرات. إلا أن العلاقات التي تُقترح هي في الغالب تقريباً وظيفية. يشير اختبار الأربع صوامع المرتفعة من الأرض إلى أنها يمكن أن تقوم بوظيفة إبعاد الطفيليات والاحتفاظ بالحبوب جافة. كلما طالت فترة الإقامة في الموقع كلما ظهرت ضرورة المزيد من الوظائف المنفذة هناك وبالتالي سلسلة واسعة من الأنقاض والمنتجات المبددة. المحاولات التي أجريت في علم الآثار لاستخدام التناظرات الارتباطية وتطويرها هدفت إلى تحديد المحتويات التي تكون فيها خصائص متنوعة للمجتمعات والثقافات متداخلة وظيفياً. ساد اعتقاد بأنه من الممكن توضيح أنه "في ظروف بعينها (س)، إذا كانت (أ)، تكون بالضرورة (ب)". الافتراض الذي طرح أن الثقافة المادية التي ينقب عنها عالم الآثار قامت بوظيفة محددة. بالتالي، إذا كان لمجموعة من الناس، في الماضي، نمط حياة معين، فإن الثقافة المادية استخدمت بطرق معينة، تنميط الثقافة المادية يمكن التكهن به بسبب علاقاته الوظيفية مع جوانب الحياة الأخرى. بالنسبة للكثيرين، فإن وجود مثل هذه الارتباطات الوظيفية القابلة للتكهن إنما يعني كون التناظرات يمكن اختبارها علمياً بمواجهتها بالمعطيات الآثارية. واقترح جولد وترينجهام Gould,1978; Tringham,1978 بأنه يمكننا العثور على تناظرات حالية بالنسبة لمعطياتنا المتوفرة عن الماضي، إلا أن عدم موثوقية تلك التناظرات يمكن تقليل درجتها عن طريق "اختبار" النتائج المترتبة عليها في البقايا المادية. هذا الوهم واسع الانتشار بأن تهمة عدم العلمية من الممكن تجاوزها عن طريق نوع ما من "اختبار" التناظر بمواجهة المعطيات مشتق في الواقع من مثال بينفورد الشائع الاستخدام بشأن استخدام التناظر في علم الآثار. قد يكون من المفيد الالتفات بصورة موجزة إلى طرح بينفورد Binford,1967 لتوضيح الطبيعة الخادعة للادعاءات بشأن الاختبار "الاستدلالي الافتراضي" للتناظرات وبهدف توضيح طبيعة التناظرات الارتباطية. يناقش بينفورد تفسير "الحفر الملطخة smudged pits"، "مخابئ الغلال"، حفر صغيرة مليئة بذرة متفحمة في المواقع بالمسيسبي والمؤرخة من 470 ميلادية حتى الأزمان الحديثة. يصف توزيعها الآثاري، وشكلها وحجمها، ومن ثم يعدد أمثلة اثنوغرافية لحفر مماثلة والتي تستخدم لمعالجة الجلود بالدخان smoking hide. ويبين أن الحفر الآثارية والاثنوغرافية توجد تقريباً في المنطقة نفسها من أمريكا الشمالية، وأن لها الشكل نفسه، وأن هناك احتمال وجود استمرارية بين الأمثلة الآثارية والاثنوغرافية (هكذا يتم استخدام التناول التاريخي المباشر). ويفترض بينفورد أن الحفر الآثارية قد استخدمت لمعالجة الجلود بالدخان. الجدير بالملاحظة أنه حتى هذه اللحظة في تحليل بينفورد، فقد استخدم إلى حد بعيد تناظراً شكلياً. العلاقة بين الحفر الآثارية والحفر المستخدمة لمعالجة الجلود بالدخان، أنشئت على أساس التشابه الشكلي لأحجام، وأشكال، الحفر الاثنوغرافية ومحتوياتها، وعلى أساس التشابه الشكلي في توزيعها، واحتمالاً على أساس تشابهات أخرى فرضتها استمرارية المجتمعات على مر الزمن. لكن بينفورد يقول من ثم أنه يستطيع "اختبار" تفسيره عن طريق وضع سلسلة استدلالية ثانوية للتوقعات. تعتمد التكهنات الاستدلالية على ارتباطات وظيفية بين معالجة الجلود بالدخان وجوانب حياتية أخرى. يقترح بينفورد أن نشاطات أخرى محتواة في معالجة الجلود بالدخان يمكن التعرف عليها آثارياً في منطقة "الحفر الملطخة". ويلاحظ أن معالجة الجلود بالدخان، اثنوغرافياً، تنفذ في "المعسكر القاعدة" الربيعي والصيفي بحيث أن "الحفر الملطخة" لا بدَّ أن توجد، آثارياً، في المواقع التي تتم الإقامة فيها في الفصلين المحددين. فوق ذلك، في الحالات الاثنوغرافية، كان نشاط معالجة الجلود بالدخان عملاً نسائياً، بالتالي فإن التنوع الأسلوبي في "الحفر الملطخة" لا بدَّ وأن يتنوع مباشرة مع التنوع في الموضوعات المنتجة نسائياً مثل الجرار الفخارية. يقدم بينفورد تكهناته الثانوية بوصفها فرضيات قابلة للاختبار في إطار استدلال علمي وتفسير وضعي، مبتعداً عن التفسيرات الذاتية التي تستخدم التناظرات. لكنه وعلى ضوء المناقشات أعلاه يصبح واضحاً أن بينفورد، في الجزء الثاني من تحليله، أوضح ببساطة كيف أن التناظر الشكلي يمكنه أن يجد دعماً عن طريق زيادة عدد التشابهات. يمكن كذلك الادعاء بأن الارتباطات الوظيفية المتنوعة قد تم افتراضها بين معالجة الجلود بالدخان والنشاطات الأخرى. بالبحث عن مثل هذه التشابهات الإضافية والوظيفية بين الأوضاع الماضية والحالية التي تتم مقارنتها، يقوي بينفورد تفسيره وينتقل باتجاه تناظر ارتباطي. إن تفسير بينفورد "للحفر الملطخة" ليس بمثال جيد لاستخدام المنهج الاستدلالي الافتراضي. إذا أتبعت مجادلة استدلالية حقيقية فإنه لا بدَّ من وجود صلة منطقية ضرورية (يسميها بنفورد مجادلة استدلالية منطقية Binford,1972:70) بين تكهناته واستخدام "الحفر الملطخة" بوصفها تسهيلات لمعالجة الجلود بالدخان. لكن لا يمكن التدليل على مثل هذه الضرورة المنطقية في هذه الحالة. على سبيل المثال، لا يبدو لنا منطقياً على الإطلاق أن كل الأدوات الصنعية، بما في ذلك "الحفر الملطخة"، ذات الصلة بالنساء لا بدَّ وأن تظهر التنوعات الأسلوبية نفسها. يحتاج المرء إلى توضيح لماذا يتوجب ربط الفخار المصنوع من قبل النساء في مجادلة تتعلق "بالحفر الملطخة" التي تصنعها النساء. بكلمات أخرى، فإننا سنبحث عن تناظر ارتباطي يختبر بدقة أكثر الصلات السببية المناسبة بين الأجزاء المختلفة للتناظر. عندما يدعي علماء الآثار حجة "مستنتجة منطقياً"، فإنهم عادة ما يفرضون بكل بساطة فرضياتهم الخاصة على المعطيات. في التناظر الارتباطي يجب اختبار كل الحجج الارتباطية في علاقتها بمحتوى ثقافي محدد ومفسر بوضوح، تكون فيه النشاطات الوظيفية المتنوعة في مكانها. بصورة أكثر عمومية، يحتاج علماء الآثار لاختبار لماذا يكون متغير واحد (مثل آنية فخارية على سبيل المثال) مناسبة لمتغير آخر (مثل الحفر الملطخة) عند استخدام التناظر. لا بدَّ من أن نولي اهتماماً أكبر بالعلاقات السببية بدلاً عن الاهتمام بالارتباطات بكل بساطة. لكن تقييمنا للسبب والتناسب غالباً ما يتأثر بمنظورنا الثقافي والشخصي. استخدام علماء الآثار للمنهج الاستدلالي الافتراضي مع إدراكهم لمشكلة الذاتية هذه ويحاولون تجاوزها عن طريق الاختبار المكثف للفرضية بمواجهة المعطيات. إلا أن هذه الفكرة غير جيدة التركيب لكوننا، كما هو حال الأخذ في الحسبان للمعطيات، نفترض أو نتوقع وجود علاقات سببية كامنة وراء المعطيات. إذا كان بينفورد يستخدم حقيقة حجة استدلالية منطقية، فإننا نتوقع أن تقود التكهنات الثانوية إلى اختبارات مستقلة صالحة للفرضية الأولى بأن "الحفر الملطخة" استخدمت لمعالجة الجلود بالدخان. في الواقع، فإن الاختبارات الثانية للمعطيات غير مستقلة عن الأولى. التعرف على نشاطات أخرى محتواة في معالجة الجلود بالدخان بالقرب من "الحفر الملطخة" قد تدعم التناظر، لكنها لا "تختبر" الفرضية. تفسير علماء الآثار للأدوات كما تستخدم في نشاطات معالجة الجلود بالدخان قد تكون في حد ذاتها متأثرة بفرضية تحتاج هي نفسها لاختبار. فوق ذلك، غض النظر عن عدد المرات التي يتم الكشف فيها عن حفر وأدوات في حالة ارتباط، فإن الحفر يمكن أن تكون قد استخدمت لغرض آخر، مع القيام بنشاطات معالجة الجلود بالدخان من حولها. علينا أن نعرف المزيد عن الإطار الثقافي الذي تمت فيه تلك النشاطات المختلفة ولماذا ارتبطت بعضها بالآخر. يمكن دعم التناظر عن طريق اختبار الاعتماد الثقافي المتبادل بين الجوانب المختلفة للمعطيات، لكن لا يمكن "اختباره" اعتماداً على معطيات مستقلة. مجمل عملية الاستدلال تشكل بناء صرح للفرضيات، تضيف كل واحدة منها للأخرى وتتحرك إلى ما وراء المعطيات سعياً لتفسيرها. في مثل هذا الإجراء دائماً ما توجد إمكانية الخطأ، والافتراضات غير الصحيحة، والمنطق القابل للخطأ، والملاحظات المتحيزة وما إلى ذلك. لن نستطيع الإثبات أو الدحض، جزئياً لكون تكهناتنا وتوقعاتنا (الـ "اختبار") يمكن أن تكون في حد ذاتها مركبة بطريقة خاطئة، وأيضاً بسبب عدم وجود معطيات مستقلة، ولوجود قدر كبير من الذاتية في المسألة برمتها. لقد تناولنا بقدر محدود النظريات الداحضة، مع أن العديد من علماء الآثار ينظرون للدحض بوصفه جانباً هاماً في مناهجهم العلمية، آخذين ذلك عن كارل بوبر. لكن من وجهة نظرنا لا يمكن للمرء أن يظل يدحض بصورة مطلقة فهناك الكثير في علم الآثار ما هو قابل للإثبات. أوضحنا كيف يمكن دعم فرضية عن طريق: (1) وثاقة الصلة، (2) العمومية، (3) صلاحية المطابقة (أي، عدد التشابهات بين الموضوع والنظير). يتفق الكثيرون من علماء الآثار بأن المرء لا يستطيع إثبات الفرضية لأن العمليات الافتراضية الأخرى يمكنها أن تنتج النمط الملاحظ نفسه. لكنهم قد يقولون بأنه يمكنهم دحض فرضية إذا كانت تكهنات الفرضية غير مثبتة في المعطيات الامبيريقة (التجريبية). على كلٍ، التكهن في حد ذاته يقوم على أساس فرضية قد تكون خاطئة. كل دحض هو في حد ذاته فرضية. على سبيل المثال، فلنقل أننا طرحنا فرضية تقول بأنه، تناظراً مع مجتمعات وبيئات حديثة، فإن مجتمع قديم قائم على جمع المحار مركزاً على المحار الكبير الحجم والأكثر قيمة غذائية (س) بهدف الوصول بالمورد الكامن في البيئة الى الحد الأقصى. خذ في الحسبان الموقف في حالة أننا اكتشفنا في الموقع ما قبل التاريخي بصورة أغلب محار صغير من النوع (ِِص) والقليل من المحار من النوع (س). هل يمكننا أن نقول بأننا قد دحضنا فرضية الحد الأقصى؟ قطعاً لا يجوز قول ذلك، طالما أنه قد توجد أسباب أخرى تفسر لماذا وجدت كمية قليلة من المحار من النوع (س) في الموقع. يمكن أن يكون المحار المستهلك من النوع (س) قد رمي (أي، تم التخلص منه كنفاية) في مكان آخر رغم أنه كان أكثر الأنواع التي تم جمعها وفرة. المشكلة العامة هنا هي أن التكهنات ليست بالضرورة نتاج فرضيات سلوكية. في مثال بينفورد الخاص بالحفر الملطخة، إذا لم ترتبط أساليب الجرار المصنوعة من قبل النساء بعلاقة متبادلة مع أساليب الحفر، فإن فرضية كون الحفر قد استخدمت لمعالجة الجلود بالدخان لن تكون قد دحضت. الفرضية يمكن، في حالة ما إذا تقبل القارئ افتراضات بينفورد بشأن أسباب التنوع الأسلوبي، أن تصبح ضعيفة لكنها لم تدحض طالما أن الفرضية (بأن الحفر كانت لمعالجة الجلود بالدخان وأن النساء صنعن الحفر والجرار) قد تكون صحيحة، لكن الافتراض (بأن أساليب الحفر والجرار لا بدّ وأنها ارتبطت بعلاقة تبادلية) قد يكون غير صحيح. لا يستطيع عالم الآثار بحال اختبار صلاحية التكهنات في حد ذاتها لأنه لا توجد معطيات متوفرة من الماضي فيما يخص العلاقة بين الثقافة المادية والنشاط الإنساني. في المثال الذي أوردناه عن جمع المحار، لن نكون متأكدين بصورة قاطعة بأن محارات من نوع معين تم دفنها بطريقة تسمح لنا نحن الآثاريون بالعثور عليها. بالتالي، مع أننا نستطيع أن ندعم فرضية أو نضعفها من خلال مناقشة وثاقة الصلة، والعمومية، وصلاحية المطابقة، إلا أننا لن نتمكن من الاختبار أو الرفض بصورة مطلقة ونهائية. يبين مثال "الحفر الملطخة" أنه يكون ممكناً التشدد والصرامة في استخدام التناظرات إذا كان عدد التشابهات ومداها كبيراً وإذا كانت العلاقات بين الجوانب المختلفة للتناظر قابلة للتحديد المناسب. بعد نشر تفسير بينفورد للحفر بوصفها حفراً لمعالجة الجلود بالدخان، اقترح مونسن Munsen,1969 فرضية بديلة تقول بأن تلك الحفر استخدمت لتدخين الفخار. في إجابته عن مقترح مونسن أشار بينفورد محقاً Binford,1972 أن التمييز بين التفسيرين يصبح ممكناً فقط عن طريق اختبار الجوانب الأخرى المرتبطة باستخدام الحفر بالنسبة للوظيفتين البديلتين. بالتالي، يمكن التمييز بين التناظرات المتنافسة عن طريق اختبار العلاقات السببية في محتوى ثقافي بعينه بين الحفر ونشاطات أخرى والتي يمكن التعرف عليها في السجل الآثاري. يمكننا الآن رؤية المقارنة بين التناظرات الارتباطية وبين فكرة محتوى الأشياء كجوانب ضرورية لاستخدام سليم للتناظر في علم الآثار. يمكننا تجاوز التهم الخاصة بعدم الموثوقية وبعدم العلمية وذلك عن طريق زيادة عدد نقاط المقارنة بين الماضي والحاضر وتوسيع مداها، ولكن أيضاً عن طريق تحديد وثاقة صلة المقارنات. علينا أن ندرك المتغيرات ذات الصلة بتفسير ظواهر معينة للبينة الثقافية؛ لا بدَّ وأن تكون لدينا فكرة أفضل عن الروابط بين الخصائص التي تهمنا في محتواها. كما أشرنا، الروابط والمحتويات التي أصبح علماء الآثار يهتمون بها في الآونة الأخيرة تتعلق بالوظيفة. ما نسعى إليه، من خلال سلسلة من محاضراتنا هذه، هو تطوير رؤية بأن فكرة المحتوى لا بدَّ وأن تشمل ليس الوظيفة فحسب بل أيضاً الأفق الفكري. المحتوى قد يكون من الأنسب أن نبدأ بطرح مثال. سنوضح خلال محاضرات قابلة أن العديد من علماء الآثار حاولوا مؤخراً التوصل إلى تعميمات عن الطريقة التي رسب فيها الناس الذين عاشوا في مواقع الإقامة نفاياتهم. على سبيل المثال اقترح كل من شيفر Schiffer,1976 وبينفورد Binford,1978 العديد من العلاقات الكل-ثقافية بين سلوك التخلص من النفايات وحجم الموقع، وطول مدة الإقامة، وحجم الجهد المبذول لصنع أداة، وما إلى ذلك. على سبيل المثال، تم اقتراح أنه، مع طول الإقامة وارتفاع الكثافة السكانية في الموقع، تظهر عملية ثانوية للتخلص من النفايات بعيداً عن مراكز النشاط. هذه علاقة ارتباطية تتعلق بالحاجة إلى الإبقاء على أماكن نظيفة صالحة للسكن، وأيضاً بالإقصاء والإزاحة الثانوية مع تزايد الكثافة السكانية. الآن، في حين أن الإفادات النظرية المتعلقة بمثل هذه التعميمات الكل-ثقافية تثبت أهمية وصف الظروف التي توجد فيها العلاقة، فإنه وعملياً تظل الظروف والمحتوى غير معرفة بصورة واضحة. "القانون" لا بدَّ وأن يكون شاملاً، وإلا فإن المحتوى سيختزل بكل بساطة في عنوان جانبي "أشياء أخرى مماثلة" Binford,1976. يندر أن يكون هناك تحليل لما هو "أشياء أخرى" باستثناء التحليل الذي أجري للتقنية، والمحددات الاقتصادية والبيئية. رأينا كيف تكون هناك خطورة في افتراض كون بعض جوانب البيئة المادية كافية لتحديد محتوى العلاقة بين المتغيرات. لم يتم وضع تشديد في دراسات النفايات على كيفية تأثير سلوك الناس تجاه الأوساخ والقاذورات على العلاقات الوظيفية بين أنماط التخلص من النفايات وحجم الموقع وكثافة السكان. مع ذلك هناك العديد من الدراسات الأنثروبولوجية، والتي سنناقشها في محاضرة لاحقة، توضح كيف أن منظورنا لما هو أوساخ واهتمامنا بحفظ الأشياء نظيفة يعتمد إلى حد بعيد على أطر محلية للمعنى. السلوك تجاه النفايات يختلف من مجتمع لآخر، ومن مجموعة إلى أخرى في المجتمع الواحد. لا يمكن الحديث عن روابط وظيفية بسيطة بين النفايات وأنواع المواقع، وطول امتداد الإقامة أو أشكال المجتمع ذلك لأن السلوكيات والمفاهيم تتداخل. فكرة المحتوى، بالتالي، لا بدَّ أن تخص كل من الجوانب الوظيفية والأيديولوجية للحياة. لدى تطوير تناظر في علم الآثار لا بدَّ أن يكون التشديد على اختبار كل الجوانب المختلفة للمحتوى والتي يمكن أن تمس خصائص معينة للثقافة المادية. لكن هذه الفكرة الأكثر تطوراً للمحتوى تعني أن كل محتوى هو متفرد. إن إطار المعنى الذي نقوم من خلاله بأعمالنا اليومية هو تركيب متفرد للأفكار، والاستراتيجيات والسلوكيات. والرمزية المعطاة للثقافة المادية في إطار محتوى بهذا المعنى قد تكون احتمالاً مميزة للمحتوى. في مناقشة التناظرات الارتباطية طرح افتراض بأنه من الممكن الإجابة عن النقد الموجه بكون التناظرات غير موثوقة وغير علمية. لكن مشكلة ثالثة مع التناظرات تم تحديدها أيضاً في بداية محاضرتنا هذه: التناظرات المأخوذة من الحاضر تحد من فهمنا للماضي. التشديد على الطبيعة المتفردة لكل محتوى تزيد المشكلة تعقيداً. إذا كان كل محتوى تستخدم فيه الثقافة المادية يمثل ترتيباً محدداً للمعاني والأفكار والاستراتيجيات الشخصية، فكيف لنا أبداً أن نستخدم محتوى حالي (من الحاضر) لتفسير بينة من الماضي؟ ليس هذا بالسؤال الذي تصعب الإجابة عنه كما وقد يبدو من الوهلة الأولى. مشكلة طبيعة محتوى تنميط الثقافة المادية يمكن اختبارها بطريقتين. أولاً، لكل ثقافة محتوى متفرد ثقافي يتم تجميعه من مبادئ عامة للمعنى والرمزية، والتي تستخدم عادة بطرق مقارنة. بالتالي، في العديد من المجتمعات تستخدم القاذورات رمزاً لرفض سيطرة المجموعات السائدة وسلطتها. فالغجر يستخدمون القذارة لمعارضة المجتمع غير الغجري الذي يعيشون فيه. أحد أهداف تطوير استخدام التناظرات هو زيادة فهمنا للكيفية التي يمكن بها استخدام جوانب تنميط الثقافة المادية في إستراتيجيات الأفراد أو المجموعات. لا بدَّ من اختبار المبادئ العامة للرمزية المادية. لكن ولدى تطوير التعميمات عن الرمزية من الضروري الاهتمام بصورة خاصة بالارتباطات بين المتغيرات الأخرى، وبالظروف التي يستخدم فيها النوع المحدد للرمزية. قطعاً ليست كل الجماعات التي تشكل أقليات تستخدم الأوساخ كجزء من التعبير عن رفضها للسلطة. علينا أن نختبر بحذر ما هي العناصر الأخرى ذات الصلة وكيف يتم ترابطها. إذا عرفنا الكثير عن كيفية استخدام جوانب الثقافة المادية (مثل الأوساخ والمدافن) ومنحها معنى، وإذا عرفنا الكثير عن الروابط بين الثقافة المادية ومحتواها الوظيفي والمعنوي، فإنه يمكننا في هذه الحالة أن نفسر الأوضاع الجديدة، الترتيبات الثقافية المتفردة فيما وراء تجربتنا المعيشة. يمكننا أن نفسر كيف تم تجميع "الكل" الثقافوى الجديد من مبادئ عامة مفهومة بصورة متماسكة. ثانياً، في كل استخدامات التناظر من الضروري تحديد أي من جوانب الأشياء التي تمت مقارنتها هي متشابهة، وغير متشابهة أو ذات شبه غير مؤكد. الهدف هو إلقاء ضوء على ما هو غير معروف (التشابه غير المؤكد) عن طريق تبيان قوة التناظر الايجابي وموثوقية صلته، في الوقت الذي نظهر فيه أن التشابهات السلبية هي ذات نتائج محدودة. عليه، فإن كل الحجج التناظرية تقبل وجود اختلافات بين الأشياء المقارن فيما بينها. يمكننا أن نضع الماضي إلى جانب الحاضر حتى لو اختلفت بعض جوانب المحتويات. نعم، اقترح جوولد Gould,1978 اللجوء إلى تناول "المقابلة بين شيئين لإظهار الفروق"، أي ما أسماه بــ "contrastive approach" والذي يذهب إلى "ما وراء التناظر". ويشير جوولد إلى أنه يمكننا استخدام الظروف الحالية خطاً قاعدياً لمقارنة البينة من الماضي في مواجهته. في الواقع فإن المقابلة بين شيئين التي يدعو لها جوولد لا تقود إلى تناول مختلف، إنها جزء مكمل لاستخدام التناظر. من المهم، إذن، أن نكون قادرين على اتخاذ القرار عما إذا كانت الاختلافات بين الماضي والحاضر كافية لاستبعاد استخدام تناظر ايجابي بعينه. لاتخاذ مثل هذا القرار من الضروري أن نفهم العناصر التي تربط متغيرات الثقافة المادية بمحتواها، كما أشرنا في النقطة السابقة. من الممكن تفسير معالجة موضوعات الثقافة المادية في محتوى متفرد في الماضي: (أ) بالرجوع إلى المبادئ العامة للرمزية والى التعميمات بخصوص الارتباطات بين تلك المبادئ والمحتوى الذي استخدمت فيه، و (ب) بالاستخدام الحذر لتناظرات منتقاة بالنسبة لجوانب مختلفة من البينة، مع تحديد التشابهات والاختلافات، وبالتالي تدريجياً بدء عملية البناء من الشظايا المتفرقة بهدف فهم الكيفية التي رُكبت بها الصورة الكلية. في إجابتنا عن مشكلة كيفية استخدام التناظرات إذا كان كل من الوضعين، الماضي والحاضر، متفرداً، نقول بأنه أصبح واضحاً وجود نوعين من التناظر الضروريين: (1) يصلح أن نقترح نظريات عامة بشأن العلاقة بين الثقافة المادية والجوانب الاجتماعية والاقتصادية للحياة طالما كانت الارتباطات بالمحتوى مفهومة؛ (2) بامتلاك تلك المعرفة النظرية العامة، من الممكن تقييم أي من الجوانب لكل تناظر بعينه تكون مناسبة. يعتمد استخدام التناظرات الارتباطية على إنشاء إطار نظري جيد يمكن في إطاره تحديد ما هو مناسب في الحالة المحددة. في الختام نقول بأن النقد الذي وجه لاستخدام التناظر في علم الآثار لا بدَّ من حصره في "سوء استخدام التناظر". التفسيرات بمساعدة التناظرات غير موثوقة وغير صارمة عندما تكون التشابهات بين الأشياء المقارن بينها قليلة العدد وعندما تكون موثوقية الصلة في المقارنات المعقودة غير قابلة للتدليل بصورة كافية. الاستخدام الأسلم للتناظر في علم الآثار لا بدَّ أن يلتفت بصفة خاصة إلى المحتوى؛ بمعنى، إلى الإطار الوظيفي والأيديولوجي الذي تستخدم في حدوده الموضوعات المادية في الحياة اليومية. طرحت المجادلات الأكثر حداثة حول التناظر في علم الآثار القوانين الكل- ثقافية التي تثبت الوجود المتبادل لجوانب مختلفة من الثقافة المادية والمجتمع. مثل هذه الدراسات لا تعير سوى قليل اهتمام لزمان حدوث التنوع المشترك وأسبابه. من الضروري اختبار ليس فقط وجود التنوع المشترك وقوته، ولكن أيضاً طبيعته وسببه. انه فقط عندما يفهم عالم الآثار بصورة أكثر اكتمالاً الظروف والمحتوى الذى تكون فيه أشياء بعينها حقيقية، يصبح استخدام التناظر أمراً موثوقاً وصارماً. ---------------------- Bersu G. 1940, ‘Excavations at Little Woodbury, Wiltshire’, Proceedings of the Prehistoric Society 6, 30-111. Binford L.R. 1967, ‘Smudge pits and hide smoking : the use of analogy in archaeological reasoning’, American Antiquity 32, 1-12. Binford L.R. 1972, An archaeological perspective, Seminar Press, New York. Binford L.R. 1976, ‘Forty-seven trips : a case study in the character of archaeological formation processes’ in Hall E.S. (ed.) contributions to anthropology : the interior peoples of Northern Alaska. Archaeological Survey of Canada 49, 299-351 Binford L.R. 1978, Nunamiut ethnoarchaeology, Academic Press, New York. Clark J.G.D. 1954, Excavations at Star Carr, Cambridge University Press, Cambridge. Copi I.M. 1954, Introduction to Logic, Macmillan, New York. Dalton G. 1981, ‘Anthropological models in archaeological perspective’ in Hodder I., Isaac G. and Hammond N. (eds) Pattern of the past, Cambridge University Press, Cambridge. Freeman C.G. 1968, ‘A theoretical framework for interpreting archaeological materials’ in Lee R.B. and De Vore I (eds) Man the hunter, Aldine, Chicago. Gould R. 1978, ‘Beyond analogy in ethnoarchaeology’ in Gould R. (ed.) Exploration in ethnoarchaeology, University of New Mexico Press, Albuquerque. Hesse M.B. 1974, The structure of scientific inference, MacMillan, London. Munsen P.J. 1969, ‘Comments on Binford’s “Smudge pits and hide smoking : the use of analogy in archaeological reasoning”’, American Antiquity 34, 83-85. Schiffer M.B. 1976, Behavioural archaeology, Academic Press, New York. Schiffer M.B. 1978, ‘Methodological issues in ethnoarchaeology’ in Gould R. (ed.) Exploration in ethnoarchaeology, University of New Mexico Press, Albuquerque. Tringham R. 1978, ‘Experimentation, ethnoarchaeology and the leapfrogs in archaeological methodology’ in Gould R. (ed.) Exploration in ethnoarchaeology, University of New Mexico Press, Albuquerque. Ucko P.J. 1969, ‘Ethnography and archaeological interpretation of funerary remains’, World Archaeology I, 262-277. Umeov A.I. 1970, ‘The basic forms and rules of inference by analogy’ in Tavenec P.V. (ed.) Problems in the logic of scientific knowledge, Dordecht, Holland, D.Reidel Publishing Company. Wills W.H. 1980, ‘Ethnographic observation and archaeological interpretation : the Wikmunkan of Cape York Peninsula, Australia’ in Smiley F.E. et al (eds) The archaeological correlates of hunter-gatherer societies : studies from the ethnographic record, Michigan Discussions in Anthropology 5. Yellin J.E. 1977, Archaeological approaches to the present. Models for reconstructing the past, Academic Press, New York. المصدر : أركامانى مجلة الآثار والأنثروبولوجيا الســـودانية |
|
|
|
|
|
|
|
ادارة المنتدى غير مسؤوله عن التعامل بين اﻻعضاء وجميع الردود والمواضيع تعبر عن رأي صاحبها فقط |
|
|