11-01-2014, 09:18 AM
|
|
لحلال بين الحرام بين
الحلال بين الحرام بين
مع كثرة المغريات، و تعدد الكماليات، واستطراد كثيرين فيها حتى أصبحت لدى بعضنا من الأساسيات، تواجه الأسرة المسلمة صعوبة في تربية الأبناء على ترتيب الأولويات. ونجم عن ذلك مشكلة مجتمعية تتعقد خيوطها يوماً بعد يوم، وتزداد من خلالها الفجوة بين الموارد والمصروفات لدى كثير من الأسر، يمكن التعبير عن هذه المشكلة بالمباهاة أو التفاخر؛ ومما فاقم شرها و زاد ضررها، وسائل الإعلام الاجتماعي كـ "انستقرام" و "تويتر" و "سناب شات"، والتي يستعرض كثيرون فيها رفاهيتهم، ويتباهون من خلالها بأناقتهم، ويتفاخرون عبرها بأسفارهم ورحلاتهم، حتى وصلت هستيريا المباهاة والتفاخر حداً جعل بعضهم يكذب ويزوّر حتى لا يكون أقل شأناً من غيره، ومن يستمع لشكوى محلات الهدايا، ويرى حمى التصوير في معارض الألبسة والمطاعم وغيرها يدرك أين وصل حالنا.
تغوّل الكماليات وتحولها لضروريات رقّق في قلوب بعضنا آلية الإنفاق، و مصادر الكسب حتى استمرأنا الخوض في لجج المتشابهات، و التمسنا التأويل للواضحات المحكمات؛ وتلك نتيجة طبيعية لسدّ الفجوة بين الإيرادات والمصروفات، حينما لم نفرق بين ما هو ضروري، وما هو غير ذلك. تلتها خطوة أخرى – خطاها البعض – وهي استحلال الحرام في الإنفاق والكسب تحت مسوغات كثيرة.
ستزداد المشكلة وتتعقد أكثر في ظلّ التساهل وتوسيع دائرة الإنفاق، وسنجد مَن يبرر الخوض في المشتبهات واستحلال المحرمات تحت ستار من البحث عن التيسير على الناس، وعدم التشدد من قِبل أناس، و سيتخذها آخرون ذريعة لنبذ الدين ونشر الباطل.
الأسرة المسلمة اليوم بحاجة للعودة للمنهج الرباني، واتباع السنة النبوية في تربية الأبناء على الوقوف في وجه تلك المحاولات التي تلمز كل مسلم ملتزم بدينه بالتشدد، وتتهم كل مَن ْ لا يرضاها بالتخلف، وتسعى جاهدة لنبذ الدين من حكم حياة المجتمعات، ولعل أبرز خطوات التربية في هذا المجال: التربية على احترام أحكام الشرع، حلالاً وحراماً وتعظيم ذلك في نفوس النشء، والوقوف بحزم مع الأبناء عند حدود الله، وإظهار تعظيمها ففي الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنهماقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ. فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ. أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ. أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ" متفق عليه.
ويلاحظ في هذا الحديث ربط بين الوقوع في المتشابهات، والوقوع في المحرمات، ثم النتيجة المباشرة، وهي الصلاح الشامل لقلب الإنسان وجسده.
إن في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم دواء لكل أمراضنا المجتمعية، لكننا بحاجة لاستحضارها وتطبيقها في حياتنا وأمام أولادنا، بل والمفاخرة بها، وتربيتهم على الاعتزاز بها، وإنْ جعجع الإعلام أمامنا بالتخلف ووصفنا بالتشدد.
المفاصلة اليوم بين الحق والباطل تزداد وضوحاً، والحرب التي يشنها أعداء الدين لتشويه كل ملتزم بدينه، يجب أن تكون حافزاً لنا لبعث العزة في نفوس أبنائنا، بدلاً من طأطأة رؤوسهم أمامها؛ فإن الأعداء لن يرضوا بأقل من أن نكفر بالله ونشرك به؛ لكنهم لن يستطيعوا قول ذلك مباشرة، فيدورون حول أحكام الدين تسفيهاً وتنقيصاً، وينالون من كل عاملٍ تشويهاً وتخويناً، وحالهم كما قال الله عز وجل: "وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء"النساء 89. وكل ذلك "حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم"البقرة109؛ لما يرون من عزة المسلم بدينه، وتحرره من عبودية هواه أو هوى غيره.
لن نستطيع تربية أبنائنا على تعظيم أحكام الله، واحترام شرائعه ما لم نعمل بالحديث نحن وإياهم باتقاء المتشابهات والبعد عنها، وأحد روافد تربيتنا على هذا المبدأ، تأصيل الاعتزاز بالدين، وأنه هو مجال المفاخرة وسبيل المباهاة على الناس، وليس حطام الدنيا و مديح الناس. وحينها سنجد أن سيلاً مما نواجهه من المشكلات التي تؤرقنا، سيتحول بإذن الله إلى سلسبيل من الطمأنينة والرضا. وسنكتشف أن كثيراً من مصاريفنا المادية لا حاجة لنا بها، وسنستغني عن الخوض في المتشابه، فضلاً عن الوقوع في المحرم، بل سنترك كثيراً من المباحات؛ حينها لن نجد من يزايد على انتمائنا، أو يسعى لتخويننا، أو يتفنن في تشويهنا إن لم ننزلق معه في بحر المحرمات أو نسايره في طريق التنازلات.
ولنتذكر هنا كلام العباس رضي الله عنه حين قال: "والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ترك السبيل نهجا واضحا، وأحل الحلال وحرم الحرام، ونكح وطلق، وحارب وسالم"رواه ابن سعد في الطبقات2/167.
ولنضع نصب أعيننا ما جاء في الأثر عن إبراهيم النخعي قال: "يَهْلِكُ النَّاسُ فِي خِلَّتَيْنِ: فُضُولِ الْمَالِ، وَفُضُولِ الْكَلامِ" رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت" وإسناده صحيح ص (90) برقم (103).
|