مكانة المسجد الأقصى عند المسلمين
إنّ للمسجد الأقصى في قلوب المسلمين مكانة عظيمة، فلقد ربط الله سبحانه بين مكانة كلٍّ منَ المسجد الحرام بمكّة المكرمة والمسجد النّبويّ بالمدينة المنورة والمسجد الأقصى بالقُدس المشرّفة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “لا تُشَدّ الرّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى” متفق عليه. المسجد الأقصى له المكانة الكبرى في الإسلام بعد الحرمين الشّريفين: المسجد الحرام والمسجد النّبويّ، فهو ثالث الحرمين الشّريفين وقبلة المسلمين الأولى، وهو منتهى إسراء نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وهو بداية المعراج إلى الملأ الأعلى، وهو فوق ذلك كلِّه المسجد الّذي شرّفه الله وبارك حوله، وهو مهبط الأنبياء والرّسل ومنه انطلاق الهداية للبشر لعبادة الله وحده وهذا نابع من احترام الإسلام والمسلمين للشّرائع السّماوية السّابقة وأنبيائها ورسلها. وفي القدس أبرز معالم الحضارة الإسلامية، وقد تركت تلك الحضارة بصمات لا تنسى فيها ما زالت ماثلة أمام التاريخ كالحرم القدسي الشّريف والمسجد الأقصى المبارك ومسجد قُبّة الصّخرة والجامع العمري وحائط البُراق الّذي أوقف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بُراقه عنده ليلة الإسراء، وفي القدس مقابر تضمّ في ثراها أعدادًا كثيرة من الشّهداء وأبطال المسلمين من عهد صلاح الدّين الأيوبي ومن قبله ومن بعده، وفيها من المدارس الإسلامية التاريخية الّتي اهتمّت بشتى العلوم الإنسانية والفقهية والإسلامية وغيرها من العلوم. وقد وردت في فضل المسجد الأقصى آيات وأحاديث، نذكر بعضًا منها فيما يلي: يقول تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” الإسراء:1. قيل: لو لم تكن له فضيلة إلاّ هذه الآية لكانت كافية، وبجميع البركات وافية لأنّه إذا بورك حوله، فالبَركةُ فيه مضاعفة، وقال تعالى: “يَا قَوْمِ ادْخُلُو الأرضَ الْـمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوْا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوْا خَاسِرِيْنَ” المائدة:21، وقال تعالى: “وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوْطًا إلَى الأَرْضِ الَّتِيْ بَارَكْنَا فِيْهَا لِلْعَالَمِيْنَ” الأنبياء:71، وقال تعالى: “وَأوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِيْنَ كَانُوْا يُسْتَضْعَفُوْنَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَها الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا” الأعراف:137، وفي قصّة سليمان عليه السّلام يقول سبحانه وتعالى: “ولِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِيْ بِأَمْرِهِ إِلَى الأرْضِ الَّتِيْ بَارَكْنَا فِيْهَا” الأنبياء:81. أمّا الأحاديث، فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “لا تُشَدُّ الرِّحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى”. وقد روى ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه مرفوعًا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “صلاة الرجل في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة، وصلاته في مسجدي بخمسين ألف صلاة، وصلاته في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة”. وأخرج الترمذيُ وأحمدُ وصحَّحَه الطّبراني والحاكم ووافقه الذهبي من حديث زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، قال سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: “يا طوبى للشّام! يا طوبى للشّام! يا طوبى للشّام!” قالوا: يا رسول الله ولم ذلك؟ قال: تلك ملائكةُ الله باسطو أجنحتِها على الشّام”. قال العزّ بنُ عبد السّلام رحمه الله: أشار رسول الله إلى أنّ الله سبحانه وتعالى وَكَّلَ بها الملائكة، يحرسونها ويحفظونها. وقد ورد في الحديث أنّ سليمان عليه السّلام دعَا بالمغفرة لمَن صلّى في بيت المقدس. فعن عبد الله بن عمرو عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “لمّا فرغ سليمانُ بن داود من بناء بيت المقدس، سأل الله ثلاثًا: حكمًا يصادف حكمه، ومُلكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وألاّ يأتي هذا المسجدَ أحدٌ لا يريد إلاّ الصّلاةَ فيه، إلاّ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه”. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “أمّا اثنتان فقد أُعْطِيَهُمَا، وأرجو أن يكون قد أُعْطِيَ الثالثةَ” أخرجه النّسائي وابن ماجه. والرّجاءُ المذكور في الحديث مُتَحَقِّقٌ لنبيّنا بإذن الله. كما استجاب الله لدعوات سليمان عليه السّلام. ولأجل هذا الحديث كان ابن عمر رضي الله عنهما يأتي من الحجاز، فيدخل المسجد الأقصى فيُصلّي فيه، ثمّ يخرج ولا يشرب فيه ماءً مبالغةً منه لتمحيص نية الصّلاة دون غيرها، لتصيبه دعوةُ سليمان عليه السّلام. كما ورد في الحديث أنّ أهل الإيمان فيه يثبتون عند حلول الفتن، فعن أبي الدّرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “بينما أنا نائم إِذ رأيتُ عمودَ الكتاب احتُمِل من تحت رأسي، فظننتُ أنّه مذهوبٌ به، فأتبعتهُ بصري، فعُمِدَ به إلى الشّام. ألاَ وإنّ الإيمان حين تقع الفتن بالشّام” أخرجه أحمد. والمسجدُ الأقصى ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام. فعن أبي ذر رضي الله عنه. قال: قلتُ يا رسول الله: أيُّ مسجد وُضِعَ في الأرض أوّلاً؟ قال: “المسجد الحرامُ”. قال: قلت: ثمّ أيّ؟ قال: “المسجد الأقصى”. قلتُ: كم كان بينهما؟ قال: “أربعون سنة، ثمّ أينما أدركتَك الصّلاةُ بعدُ فصلها، فإنّ الفضل فيه” رواه البخاري. وفي هذه الأيّام يعاني المسجد الأقصى السّعي الحثيث من الغاصبين اليهود من أجل تهويده وإخراج المسلمين منه ممّا يتطلّب من الأمّة أن تهبَّ لمُنَاصَرة الأقصى وحمايته منَ التَّدنيس والتّدمير والعدوان المستمر. إنَّ الأمّة مَدْعُوَّة لأنّ تقدّم اليوم عمر أو صلاحًا يفتح أو يحرّر القدس المشرّفة ويستعيد الأقصى السّليب
|