وأنتَ الذي كنت بازّاً باسقاً حين خرجتَ من خلالهِ ...
لا أعلم ُ مَــا الذي أصابكَ , لأنني بدأتُ أشعرُ بالعقوقِ , ونشَأَتْ داخلَ أوردتِي الشقوقُ , ويـَا حسرتَــاه على ما أصابَ صوابِي من فتوقٍ , كنتَ الحانيَ , والآن الجانيّ ! كنتَ الدفء , والآن الصقيع ! كنتَ الملاذ والآن المفرّ ! كنتَ الصوتَ والآن الاختفاء..! , كنت التنفس , والآن الاختناق ! كنتَ الطريق والآن المتاهة ! كنتَ الوطن والآن الغربة ! لماذا حدث هذا ولماذا أصبحت هكذا ...!!؟ أخبرني..؟؟ , أمَا أمضيتَ معكَ العمر الجميل وريعان الزهو والصِبَا , وسخرتُ لكَ النفيسَ من البذلِ , والنادرُ من الحبِّ, والهوسُ والجنونُ , آآآآهٍ..فما بالها السنون تفعل بِي هكذا...!؟
لن أوقفكَ أبداً فَــأفعل ما تشاء , أما عاهدتكَ في سالف الأزمنة وفي طفولتكَ
أن لا أردعكَ عن ما تودُّ فعله ..! وأنني سَأُلبِّي لك َكلّ ما تشاء حتى وإن حاولتَ قتلِي
لن أمنعكَ طالما ذلك يحقق لكَ اللهو واللعب مثل ما تلهو بين أضلاعِي وأفئدتِي ,
انظر ْكيف كنَّا والآن كيف أصبحنَا ..!!
الدموعُ نهـرٌ جارِي , والجحيمُ في فقدكَ دارِي , والحزنُ المقيمُ أصدقُ أخبارِي ,
والجرحُ منكَ قاتلٌ وعارِي , فماذا يكونُ بعدها إن كنت َ جهرِي وأسرارِي ..!!
حين غادرتَ وطنكَ الذي خرجتَ منهُ بكلِّ وحشيةٍ , لم أَهنأْ أبداً ولم يتبقَّى سِوَى الذكرياتِ المتوهجة , فذاكرتي لا تعرف النسيان , ومشاعري لا تؤمن بالنكرانِ ,
وعهودِي لا يطالها الخذلان , وأنتَ مهاجراً دون رجعه ...!!
بلغتَ من العمر أجمل مراحلهُ بين أصابعِي , وتحتَ رعايتِي , ومن غذاءِ دمِي , ومن كُرياتِي , وهـا أنتَ الآن تشاغبُ أنثى غيرِي ...!! وتُمازِحُهَا بكلِّ جُرْأَةٍ , وجنُون , وأنَا واقفةً أرقبُكَ بكلِّ حُـزنٍ وانكسارِ , أرفعُ كفِيّ إلى السمآءِ وأتضرَّعُ للربِّ أن تكونَ سعيداً بِها , وأن تمنَحُكَ قليلاً مِمَّا منَحْتُكَ إِيَّاهُ , ربما تجدُ الدفءَ خارج أسوارِي ,
وبهذا يكون الموت آخر اللوائحِ لمشوارِي ...!!
تبتسم ُلها مثلَ ما كنتَ تفعلُ معِي .. ولا أصرخ , بل أعضُّ على دموعِي واهتفُ لكَ بين خلجاتِي أَسْعِدْهُ يــــــااااااربِّ ...
و تُسدِّي لها الزهورَ , و تركضُ برفقتِهَا , وعينايَ مثقوبتينِ , ترقُبُكَ وتنهمرُ من أعالِي سفوحِهَا النيازك وأَلسنة ُاللَّهبِ .
فكلُّ ما أرجوهُ هو أَنْ تبذلَ لكَ مثلُ ما بذلْتُ , وأكثرَ ,
لأننِي أُحبكَ حتَّى وإِنْ كانَ هذَا قَتْلاً بَطِيِئاً لِي .
تمنيتُ أَنْ أنجبَ منكَ طفلا ً يكونُ ذاتَ الملامحِ والطقوسِ , ولكنْ بلِا عقوقٍ..! , وكم تمنيتُ أنْ أكونَ سقيفتُكَ وعرشُكَ الذي لا يسقطُ أبداً , ولكنْ وَيْحُهَا الأياَّمُ ويا لِلأقدارِ كمْ هيَ قاسيةٌ وجميلة , تمنحُ العظةَ دونَ مقابلٍ ,
عدىَ الحُزنِ والألمِ ..!
أُريدُ أنْ أرجوَ منكَ رجَاءً أخيراً قبلَ أنْ أُعرضَ وأَسيرُ إلى غابةٍ من الذهولِ , وقصورٍ من المجهولِ , ورحيلاً من الذبولِ ,
إنِ استقرَّ بِكَ المقامُ بهَا , أن لا تسرفَ في حُبِّهَا أكثرَ مِمَّا ينبغِي , ودَعْنِّي وَشْمَاً بينَ أوردتكَ لا يغُادُركَ , أبداً , كوشمِكَ الذي لا يغادرُ جميع مسَامَاتِي . وسأصفحُ لكَ دونَ رجاءِ ..!
فلَنْ يَخلُقَ بَعْدُكَ أيُّ طِفلٍ بين أرجائِي ثِقْ بِهَذَا..! , وَلَنْ يكُونَ حُبَّاً عدَى جنُونِي بِكَ , ولن يهَنَأْ أَحدٌ غيرُكَ بترياقِ أنفاسِي , وَصُعودَ نَبْضِي , وهَامَات ولائِي ورايات سمائِي ..!
فوحدُكَ الأجدرُ حتَّى وإنْ كانَ القدرُ قاسيِاً يوماً مَـا ...! , فما دُمْتَ طفِلي ومُضغَتُكَ تكوَّنَتْ بينَ دَمِي وأوردتِي فكيفَ باللهِ سَأسْمَحُ لغِيرِكَ وُلُوجَ قلبِي وَأفئدِتي . وأنَا التِّي اسْتَأْصَلْتُ رحمَ قلبيِ بعدَ مخاضِي بكَ كي لا أُنجبَ غيركَ ليكنْ الوفاءَ شاهِقاً لكَ حتَّى وإِنْ تركتنِي أُصارعُ الفقدَ... وأتعاركُ مع الضياعِ..!!
ثِقْ تمَاماً أنَّ لاَ حُبَّاً سيَكونَ لغيركَ , ولاَ وفَاءً سَأمنَحُهُ لغيرِكَ , ولَا بَذْلاً سأقتسِمُهُ لغيركَ , فأنتَ قفصِي وأنَا طيرُكَ , إِنْ لَمْ أَكُنْ حمَامتُكَ البيضَاءِ التِّي لاَ تعيشُ خارجَ أسوارِ عُشِّكَ الدفءْ . والآن أصبحَ عُشَّكَ لأُنثَى غيري .......!!
كمْ هِيَ حاَرِقَةٌ الأقدارُ ..!
سَأمنحكَ كلَّ ما بوِسْعِي مِنْ حُبٍّ وَهَوَسٍ , وَجُنونٍ وَعَطآءٍ ,
وَلهُم مَا يشاءون مِنِ التَّكُهِنِ ..!
حتَّى وإِنْ كاَنَ الرَّحِيِلُ عنِّي هَو الْقَدَرُ الْمُفَاجِئ..! , لأنَّنِي خَلعْتُ قلبِي كَيْ لاَ يُنجبَ حُبَّاً آخرَ , فلَاَ حُبٍّ سيكونَ بمِقَامِ حُبِّكَ الذي أَمضَيْتُ بِه عُمْرَاً
وَزَمَانَـا وَ وَفَاءً وَإِخْلَاصَا ً ...!
أُحِبُّكَ يَــَا طِفْـلاً ...خُلِقْتَ مِنِّي... وَذَهَبْتَ لِــغَيْرِي ...!!!