ذكرت مصادر التاريخ قِدَمَ علاقة العرب بالصين وأنها كانت قبل الإسلام بقرون. قال بدر الدين حيّ الصيني: (إن علاقة الصين بالعرب لم تكن وليدة لعصر الإسلام، بل ابتدأت قبل الإسلام بقرون، غاية الأمر أن عراها لم تكن أوثقت كما في زمن الإسلام، لكن العلاقة كانت موجودة على طريقة غير مباشرة أوَّلاً، ثم تطورت إلى علاقة مباشرة عندما قرب ظهور الإسلام... واتفقت المصادر الثلاثة: الصينية والإيرانية والرومانية، على وجود العلاقة بين العرب والصين قبل الإسلام ببضعة قرون في شكل غير مباشر... [يقصد بالشكل غير المباشر: اتصال تجار العرب بالصينيين عن طريق التجار الإيرانيين والرومانيين، كما بين ذلك في (ص: 20) من الكتاب المذكور.] ومن المؤكد أن بلاد الصين كانت معروفة عند القرشيين قبل الإسلام، بدليل قوله عليه السلام: (اطلبوا العلم ولو بالصين) [الحديث فيه كلام طويل للعلماء، منهم من حكم عليه بالوضع، ومنهم من حكم عليه بالضعف، ومنهم من رأى أنه قد يرقى إلى رتبة الحسن، قال ابن عراق رحمه الله: (قال الحافظ المزي الشافعي: وله طرق كثيرة عن أنس، يصل مجموعها إلى مرتبة الحسن.... وفي تلخيص الواهيات للذهبي: روي عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وجابر وأنس وأبي سعيد، وبعض طرقه أوهى من بعض، وبعضها صالح، والله أعلم. تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة (1/258) وحكم عليه الألباني بالوضع (ضعيف الجامع الصغير وزياداته، ص: 129، رقم: 906، 907).] لأنه عليه السلام لم يرتحل إلى خارج بلاد العرب، وإذا صح ما قلنا فلا نشك في أن علمه باسم الصين، قد جاء من الأخبار السائرة في جزيرة العرب في وقته، وذلك لم يكن إلا بعلاقة القرشيين بالصينيين أولا، ثم عرف هذا الاسم في بلاد العرب حتى شرفه صاحب الرسالة بذكره في الحديث). [العلاقات بين العرب والصين، (ص: 8، 20) الطبعة الأولى، مكتبة النهضة المصرية. سنة 1370هـ ــ 1950م.، الصين وفنون الإسلام، للدكتور زكي محمد حسن (ص: 7) مطبعة المستقبل، القاهرة.] وقال: (من الوثائق التاريخية الإسلامية علمنا أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين، قد قال في أحد أحاديثه المشهورة: (اطلبوا العلم ولو بالصين). ويبنى على هذا الحديث الكريم ثلاثة أمور تاريخية: أولا: أنه يثبت بهذا الحديث أن هناك نوعا من الصلات، مباشرة كانت أو غير مباشرة، بين بلاد العرب والصين، قبل ظهور الإسلام، وبفضل وجود هذه الصلة أصبح اسم الصين معروفا عند العرب، حين ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبدأ يبشر برسالته من قلب جزيرة العرب إلى كافة الناس في العالم. ثانيا: أن الصين كانت معروفة عند العرب بأنها عظيمة الشان، وعريقة في الحضارة والمدنية، ولها آداب رفيعة وحكم عالية، غير أنها من الناحية الجغرافية بعيدة جدا من جزيرة العرب، التي فيها منزل الوحي ومهد الإسلام. ثالثا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يشجع بحديثه هذا الصحابة وأتباع الصحابة، ومن دخل في دين الإسلام الحنيف فيما بعد على مخاطرة أنفسهم بالسفر إلى بلاد نائية، كالصين التي تقع في أقصى الشرق، لأجل طلب العلم والبحث عن الحكمة. [تاريخ المسلمين في الصين، (ص: 15) لبدر الدين و. ل.حيّ-وهو صاحب كتاب العلاقات بين العرب والصين السابق الذكر-، دار الإنشاء للطباعة والنشر، طرابلس لبنان. وسبق تخريج الحديث.] متى وصل الإسلام إلى الصين؟ سبق أنه يكتنف أصل سكان الصين غموض شديد، وهذا الغموض يخيم-أيضا-على أوضاع المسلمين في الصين، مما جعل الأمير "شكيب أرسلان" يقول في ذلك: (مسلمو الصين كأنهم ليسوا من هذه الدنيا، فالمعلومات عنهم قليلة، والروايات بشأنهم متناقضة، وإلى هذه الساعة لم يعرف المؤرخون كيف كان وصول الإسلام إلى الصين...كما أن الجغرافيين وعلماء الإحصاء إلى اليوم لم يتفقوا على عدد المسلمين الصينيين...) [حاضر العالم الإسلامي (2/219).]. وأسباب الغموض في أصل سكان الصين، وقد سبق ذكر شيء منها قريبا. وهي أسباب قلة المعلومات عن المسلمين الصينيين. الروايات الواردة في وقت دخول الإسلام إلى الصين وتقويمها. بعد هذه المقدمة التي يُعْلَمُ منها صعوبة توثيق تحديد وصول الإسلام إلى الصين، نذكر ما ورد من الروايات في ذلك، ثم نذكر ما نراه أقرب إلى الصواب-في الجملة-: الرواية الأولى: يزعم أصحاب هذه الرواية أن الملك الثاني من أسرة "تانجTang " الملقب "تايتسونجTai Tsung " الذي تولى الحكم في الصين من سنة 627م إلى سنة 644م رأى في منامه حيوانا مفترسا يهاجمه، ولم يخلصه منه إلا رجل وقور يلبس طيلسانا وعمامة بيضاء بيده سبحة، وفسر له وزراءه ذلك بأن ثائرا سيخرج عليه، وأن الرجل الذي يخلصه منه هو نبي ولد في جزيرة العرب، فبعث الملك وفدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه إرسال بعثة تنشر الإسلام في الصين، فبعث ثلاثة: توفي اثنان منهم في الطريق، ووصل الثالث، فأكرمه وبنى له مسجدا في العاصمة ينطلق منه لنشر الإسلام. وقد علق على هذه الرواية الشيخ محمد مكين بقوله: (ولكن المؤرخين لا يقيمون لهذه الرواية وزنا). الرواية الثانية-وهي رؤيا منامية أيضا-: أن الملك الأول من أسرة "صي Sui " الملقب "ونتي Wen Ti " رأى نجما باهرا، وفسر له بأنه بظهور رجل عظيم الشأن في بلاد العرب، فأوفد رسولا للتحقق من ذلك، وطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسافر إلى الصين، فاعتذر وأرسل معه أربعة من أصحابه، منهم خاله "سعد ابن أبي وقاص" في سنة 587م… وأن الملك أمر ببناء جامع في "كانتون Canton " سماه "جامع الشوق - أو "الـحـنـين" أو "الذكرى" - إلى النبي صلى الله عليه وسلم." ثم غادر سعد الصين، وقيل: إنه توفي في كانتون ودفن في ضاحيتها.! وسيأتي الكلام عن هذا المسجد عند ذكر ما يتعلق بالمساجد في الصين. الرواية الرابعة: أن أحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ممن هاجروا إلى الحبشة عام 615م تقريبا، ويدعى: "أسعد لبيب" لم تعجبه الإقامة في الحبشة، فسافر على باخرة إلى "كانتون Canton " وقام بنشر الإسلام بين التجار العرب الذين كانوا يسكنون بها، وبخاصة الحضارم ولم تكن الدعوة الإسلامية قد وصلت إليهم.[ الدعوة الإسلامية في ماليزيا-ظهورها وانتشارها (ص: 54)، للدكتور وان حسين عزمي، والدكتور هارون دين، كلية الدراسات الإسلامية-الجامعة الوطنية الماليزية.] تهافت الروايات الأربع المذكورة وأسبابه وهذه الروايات الأربع بعيدة كل البعد عن الصحة، وذلك لسبعة أسباب: السبب الأول: عدم ثبوت كل هذه القصص في السيرة النبوية ضمن الوفود التي قصدت المدينة المنورة للاجتماع بالرسول صلى الله عليه وسلم، في السنة التاسعة للهجرة، ولو وقعت هذه القصص أو إحداها، لكانت أولى بالإثبات من غيرها لغرابتها من حيث الوافدين الذين لم يعهد العرب وجود مثلهم في بلادهم، وغرابة وطنهم الذي يضرب به المثل في البعد، وغرابة هؤلاء الوافدين ووطنهم أشد من غرابة سلمان، رضي الله عنه ووطنه، وقد ذكرت قصته مفصلة غاية التفصيل. السبب الثاني: عدم ثبوت وصول أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصين، لا في قصص الرسل الذين بعثهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء والبلدان، ولا في تراجم الصحابة رضي الله عنهم. ومرة أخر أقول: إنه لو صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث أحدا منهم إلى الصين لكانت العناية به في السيرة النبوية، وكتب التاريخ المعتمدة وتراجم الصحابة أولى من العناية ببعثه الرسل إلى فارس والروم وغيرهما، ومن بعث الدعاة والأمراء إلى اليمن والبحرين وغيرهما، وعدم ذكر ذلك في هذه المصادر حجة قاطعة على اختلاق هاتين القصتين. السبب الثالث: الكذب الصريح واضح في الرواية الثانية التي ذكر فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث سعد بن أبي وقاص سنة 587م إلى الصين، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُبْعَثْ إلا في سنة 610م أي بعد التاريخ المذكور بثلاث عشرة سنة، فكيف يَبْعَث إلى الصين صحابيا يعلم الناس الإسلام قبل أن يشرفه الله بالرسالة؟! السبب الرابع: عدم معرفة رجل يدعى ابن حمزة، وأنه خال النبي صلى الله عليه وسلم. السبب الخامس: دعوى أنه اصطحب معه نسخة من القرآن، مع أن القرآن لم تكتب له نسخ قابلة للتوزيع، إلا في عهد عثمان رضي الله عنه، والسنة التي ذكر أنه وصل فيها إلى الصين هي السنة التي توفي فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل أن الصحابة الذين كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبعثهم للدعوة أو الجهاد كانوا بحملون معهم نسخا من المصحف. السبب السادس: دعوى أنه اصطحب معه ثلاثة آلف من الجند، وهذا أمر لو حصل لكان مشهورا في كتب السيرة والغزوات والتاريخ!. السبب السابع: عدم وجود ذكر لاسم "أسعد لبيب" في مها جري الحبشة في السيرة النبوية، وعدم الإشارة إلى رحلة أي صحابي منهم إلى الصين، وقد كانت هجرتهم إلى الحبشة بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت إقامتهم بها إقامة سعيدة، لما لقوا من إكرام ملكها: "النجاشي" رضي الله عنه، ويبعد كل البعد أن يشذ أحد المهاجرين ويفارق صحبه تلك المفارقة، ويرحل تلك الرحلة الخيالية، دون أن تذكرها كتب السيرة النبوية.! بل الاسم من حيث هو غريب في أسماء القرشيين.! الرواية الخامسة: أن أول وفد قدم إلى الصين، كان في عهد الخليفة الثالث "عثمان بن عفان" رضي الله عنه، في سنة 651م، ويقال أيضا: إن وفدا آخر من العرب وصل بعد ذلك بخمس سنين، أي في ستة 655م، وهذه الرواية معقولة كما قال الشيخ محمد مكين رحمه الله. [ذكر هذه الروايات الشيخ "محمد مكين" الصيني، رحمه الله في محاضرتيه اللتين ألقاهما في القاهرة سنة 1351هـ، ونشرتا في مجلة الفتح في غرة رمضان، وفي 6 من ذي القعدة من السنة المذكورة كما في حاضر العالم الإسلامي (2/263)، وطبعتا-المحاضرتان-في كتيب، بعنوان (نظرة جامعة إلى تاريخ الإسلام في الصين وأحوال المسلمين فيها) المطبعة السلفية ومكتبتها للشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله. وقد نقلت من الكتيب المذكور هذه الروايات مع شيء من التصرف (ص: 6-9).] وقال محمد يوسف لي هواين: (تفيدنا المصادر الصينية أن أول مندوب مبعوث من الخليفة "عثمان بن عفان" وصل إلى "تشانغآن" (شيئان اليوم، وعاصمة الصين آنذاك) في 25 أغسطس 651م...-وقال في الحاشية-: (اتفق المؤرخون الصينيون على أن سنة 651م... هي سنة دخول الإسلام إلى الصين) [المساجد في الصين (ص: 11-12). الطبعة الأولى-عام 1989م-بدار النشر باللغات الأجنبية بكين.] بل يقال: إنه من سنة 651 إلى سنة 800م بلغت السفارات العربية إلى الصين أربعا وثلاثين سفارة [العلاقات بين العرب والصين (ص: 180).] صعوبة تحديد زمن أو تعيين شخص لإدخال الإسلام إلى الصين. ولا ينافي وصول هذا الوفد الذي يقال: إنه أول وفد وصل إلى الصين في عهد عثمان رضي الله عنه في ذلك التاريخ، وصول بعض أفراد من المسلمين قبله، لأن العرب كانوا يضربون في الأرض-برا وبحرا-للتجارة بحثا عن الرزق، قبل الإسلام وبعده، وقد ذكر بعض الكتاب أنه تم اكتشاف ثلاث قطع من الأواني الخزفية في أحد القبور التي يرجع تاريخها إلى عهد أسرة (تانغ) وبالذات في عهد الإمبراطور (وو ده 618-626م) في ضاحية من ضواحي (يانغتشو)، وأن رسوما خضراء وجدت على جدران إحدى تلك القطع تدل على معنى (الله أكبر) على حَدِّ حُكْمِ أحد العلماء اليمنيين، وهذا-إذا صح-يدل على وجود بعض أفراد المسلمين في تلك المنطقة من ذلك التاريخ. [الإسلام في الصين، تأليف: إبراهيم فنغ جين يوان (ص: 9)] ولكن هل يمكن الجزم بوقت محدد لوصول الإسلام إلى الصين أو معرفة أول رجل وطئت قدماه هذه البلاد؟ علم مما تقدم عدم صحة رواية وصول أحد من الصحابة إلى الصين، ولكن كثيرا من المؤرخين يرون أن أول من وصل إلى الصين هو صاحب القبر الذي وجد في ضاحية كانتون، وأن صاحبه يدعى: سعد بن أبي وقاص، [اختلفت الروايات في اسمه: فبعضها يذكره هكذا "سعد بن أبي وقاص" وبعضها يزيد : خال النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها تذكره هكذا"وقاص"] وأنه يوجد على قبره شاهد كتب عليه: (هذا أول مسجد في الصين بناه سيدنا وقاص، رضي الله عنه، إذ دخل هذه الدار لإظهار الإسلام بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جدده المتأخرون مرة بعد مرة، وإلى الآن حفظه الله تعالى من الآفات "في الأحيان" [لعله يقصد "في كل الأحيان".] وهو في الصين مبدأ الإسلام ومنبع العلوم، فينبغي على مسلمي الصين أن يزينوا ظهره بالعمارة الحسنة، ويصلحوا باطنه بإقامة الجماعة، ووضع مدرسة خصوصا على مسلمي هذا البلد، فاعتبروا يا أولي الأبصار، اللهم انصرنا على أعداء الإسلام آمين-التوقيع: الوصي: سليمان عبد الكريم). [الإسلام في الصين (ص: 41-42)، عالم المعرفة-الكويت، عدد 43، شعبان / رمضان 1401هـ-يوليه 1981م للصحفي المعروف فهمي هويدي وقد زار المؤلف الصين وزار هذا القبر، وذكر أن هذا النص كتب باللغة العربية على لوحة رخامية بغير إشارة إلى تاريخها، وذكر قبل ذلك أن أحد الصينيين، وهو عبد الرحمن ناجونج أن القصة التي يُزْعَم فيها أن هذا القبر للصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مختلقة، وأن غاية ما يمكن أن يقال في هذا القبر... إنه لواحد من التجار المسلمين الأتقياء الذين أقاموا بكانتون، وكان اسمه وقاص.] وقال بدر الدين حيّ الصيني: (وحاصل الكلام أن كتَّابَ الصين القدماء لم يتفقوا على سَنَةِ وصول الإسلام بحرا إلى الصين، كما أنهم لم يستطيعوا الاتفاق على من هو الأول الذي جاء بالإسلام عن طريق البحر إليها.) [العلاقة بين العرب والصين (ص: 152).] . وقال-بعد أن ناقش-دعوى أن هذا الضريح هو ضريح سعد بن أبي وقاص وفند تلك الدعوى: (وبناء على ما أوردناه من الأدلة والبراهين، نقول موقنين: إن صاحب الضريح في كانتون غير سعد بن أبي وقاص، ومن الممكن أن أحدا ممن سموا بذلك الاسم قد سافر إلى الصين في أواخر القرن الثامن الميلادي، فمات هناك ودفن بها، ويظهر أنه كان زعيما من زعماء العرب المستوطنين في الصين، وكانت له مكانة عظيمة لدى الإمبراطور وفي أعين المسلمين هناك، فلذلك كانوا ولا يزالون يعظمون قبره، لكن نأسف أن التاريخ لم يخبرنا باسمه الحقيقي، ولا نعرف هل يظل هذا الاسم مجهولا هكذا إلى الأبد، أو يصبح معلوما يوما من الأيام) [العلاقات بين العرب والصين (ص: 158)] وقال في كتاب آخر: (وفي البحث عن العلاقة بين العرب والصين بذلتُ مجهودات غير قليلة في تحقيق: من كان المسلم العربي الأول الذي ذهب بالإسلام إلى الصين، لغرض التبليغ والدعوة، كما سعيت إلى الاهتداء إلى أسناد تاريخية تثبت بصورة قاطعة: من كان مؤسسا لجامع ذكرى النبي صلى الله عليه وسلم القائم إلى الآن في مدينة كانتون، بجنوب الصين، ومن [هكذا، والظاهر أن لفظ (كان) سقط، كما هو واضح من السياق.] مؤسس الجامع "سي-آن" أحد الجامعين الأقدمين بعاصمة الصين القديمة، غير أنني بالأسف الشديد لم أهتد إليها، لا من المصادر العربية، ولا من المصادر الصينية، أو من المصادر الإسلامية الأخرى. فلذا أميل إلى الاعتقاد بأن اسم مبلغ الإسلام الأول في الصين، سيظل مجهولا إلى ما شاء الله، لأن أحدا من العلماء أو المؤرخين-الصينيين أو المستشرقين-لم يستطع القول: إن فلانا من الصحابة أو من أتباع الصحابة قد ذهب إلى الصين في سنة كذا وكذا، ودعا الناس وحاكم الصين إلى دين الإسلام...) [تاريخ المسلمين في الصين في الماضي والحاضر (ص: ج، د) من المقدمة.] وقد قال بعض الكتاب المسلمين الصينيين: (إن لتحديد وقت دخول الإسلام إلى الصين أثره الحاسم في دراسة تاريخ الإسلام في الصين، ولذلك أصبحت هذه المشكلة تلح في إيجاد حل لها، ولكنها ما زالت لغزا إلى زمننا هذا لعدم توفر المعلومات التاريخية الدالة على ذلك…) [الإسلام في الصين، تأليف إبراهيم فنغ يوان، تعريب محمود يوسف لي هواين-دار النشر باللغات الأجنبية، بكين، الطبعة الأولى، سنة 1991م (ص: 4)] وبهذا يُعْلَمُ أنه لا يوجد دليل يُعتَمَد عليه في تحديد وقت معين لدخول الإسلام إلى الصين، ولا على من أول من دخل الصين من المسلمين. ومع ذلك فإنا لا نشك في أن الإسلام وصل إلى الصين في وقت مبكر جدا عن طريق التجار المسلمين، لأن السعي التجاري لم ينقطع في الغالب، لاسيما إذا تذكرنا أن "علاقة العرب بالصين كانت غير مباشرة قبل الإسلام بقرون، ثم أصبحت مباشرة قرب ظهور الإسلام عن طريق إيران والرومانيين" [العلاقات بين العرب والصين (ص: 8، 20).] ويترتب على معرفة وصوا الإسلام إلى الصين في وقت مبكر أمران: الأمر الأول: التحقيق العلمي التاريخي. والأمر الثاني: معرفة فضل أسلافنا الأبرار الذين لم يتوانوا عن إيصال هذا الدين إلى أقاصي الأرض التي تمكنوا من ورودها، في وقت لم يكونوا يملكون في من وسائل المواصلات-برا أو بحرا-ما يتيح لهم السفر الآمن وسرعة الوصول إلى الهدف، كما هو حاصل اليوم لأبنائهم الذين أهملوا تعاهد ما ورَّثوه لهم في كل أنحاء العالم، وللعل في ذلك ما يحفز همم من بقيت في نفوسهم بقية من غيرة على ذلك الميراث العظيم! أما وفود المسلمين الرسمية فإن "الرواية الرابعة" التي ذكر فيها أن أول وفد قدم إلى الصين، كان في عهد الخليفة الثالث "عثمان بن عفان" رضي الله عنه، في سنة 651م، فلا يوجد ما يمنع قبولها، وهذه السنة توافق (سنة 30) من الهجرة النبوية، وقد وصلت قوة المسلمين آنذاك إلى أواسط آسيا من ناحية، وإلى السند من ناحية أخرى، وقد ذكرت هذه الرواية المصادر الصينية، وفيها أن أعضاء الوفد ذكروا أن ملكهم يسمى "أمير المؤمنين" إلا أنه يبقى في النفس شيء من عدم ذكر المصادر العربية لهذا الوفد وبعض الوفود التي تلته.).[ راجع الكتاب السابق العلاقات بين العرب والصين (ص: 158، 160).]. من هنا نعلم أن الإسلام قد وصل مبكرا إلى الصين عن طريق التجار المسلمين، سواء أكانوا من العرب أو من الإيرانيين، أو عن طريق وفود بعثها بعض الخلفاء، ولكن تعيين الوقت كسنة كذا وكذا، أو تعيين شخص أو أشخاص كانوا أول من أدخل الإسلام إلى الصين، هو صعب المنال. عِلْمُ مَلِك الصِّين قوةَ المسلمين وبأسَهم سنة 22 هـ: ذلك فيما يتعلق بوصول وفود المسلمين إلى الصين، أما معرفة ملك الصين بقوة المسلمين وبأسهم وفتوحاتهم التي أرهبته فقد كانت قبل ذلك. [مختصر من البداية والنهاية (7/13--132)، لابن كثير] وبعد هزيمته بعث إلى ملك الصين يستنجده، فاعتذر إليه وعلل ذلك بخشيته على إزالة المجاهدين ملكه، إذا استجاب لنجدته.! قال ابن كثير رحمه الله: (ورجع كسرى "يزد جرد" خاسرا الصفقة، لم يُشْفَ له غليل، ولا حصل على خير، ولا انتصر كما كان في زعمه، بل تخلى عنه من كان يرجو النصر منه وتنحى عنه وتبرأ منه أحوج ما كان إليه، وبقي مذبذبا، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء: {ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا} النساء: 88، وتحير في أمره ماذا يصنع؟ وإلى أين يذهب، وقد أشار عليه بعض أولى النهى من قومه حين قال: قد عزمت أن أذهب إلى بلاد الصين، أو أكون مع خاقان في بلاده، فقالوا: إنا نرى أن نصانع هؤلاء القوم [يعنون المسلمين، لما لمسوا من معاملتهم، مع أنهم في حالة حرب معهم.] فإن لهم ذمة ودينا يرجعون إليه، فتكون في بعض هذه البلاد وهم مجاورينا [هكذا، والصواب: (مجاورونا) لأنه خبر المبتدأ.] فهم خير لنا من غيرهم، فأبى عليهم كسرى ذلك. ثم بعث إلى "ملك الصين" يستغيث به ويستنجده، فجعل ملك الصين يسأل الرسول عن صفة هؤلاء القوم الذين فتحوا البلاد وقهروا رقاب العباد، فجعل يخبره عن صفتهم، وكيف يركبون الخيل والإبل؟ وما ذا يصنعون؟ وكيف يصلون؟ [صفات فروسية، وصفات عبادية، وفي اجتماعهما يكمن نصر الله.] فكتب معه إلى "يزد جرد": إنه لم يمنعني أن أبعث إليك بجيش أوله بمرو وآخره بالصين الجهالة بما يَحِقُّ عليَّ، ولكن هؤلاء القوم الذين وصف لي رسولُك صفتَهم، لو يحاولون الجبال لهدوها، ولو جئت لنصرك أزالوني ماداموا على ما وصف لي رسولك، فسالمهم وارض منهم بالمسالمة!...) [البداية والنهاية (7/132). وقد بقي يزدجرد في بعض البلاد مقهورا حتى قتل بعد سنتين من خلافة عثمان رضي الله عنه قرب مرو على يد رجل ينقش الأرْحِيَة (جمع رَحى) وهي الطواحين. نفس المصدر (7/ 164).]
وفر "فيروز بن يزد جرد" إلى إمبراطور الصين، فعينه رئيسا لحرسه في قصر " سي آن" عاصمة الصين القديمة، فبقي هناك إلى أن وافاه الأجل يائسا حزينا [العلاقات بين العرب والصين، (ص: 24) لبدر الدين الصي الرواية الثالثة: أن رجلا يدعى "ابن حمزة" خال النبي صلى الله عليه وسلم، وصل إلى الصين في سنة 632م، ومعه نسخة من القرآن الكريم، يصاحبه ثلاثة آلاف رجل من الجند، وأنهم أصدروا مرسوما دينيا حددوا فيه الآداب الإسلامية العامة. [العلاقات بين العرب والصين (ص: 150-153).] فعندما تتابعت هزائم "يزد جرد" أمام جحافل الجهاد في آخر حياة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، كتب يزد جرد إلى ملك الترك و"ملك الصين" يطلب منهما العون والمدد،ولكنهما لم يحتفلا بأمره عندما جاءهما رسوله، ولكنهما-ملك الترك وملك الصين-أنجداه بعد دخوله أرضهما، لأن شرع الملوك يقتضي ذلك، ومع ذلك فقد هزمه رجال الله المجاهدون شر هزيمة، وتخلى عنه ناصروه.ني.]
م0ن