القاعدة.. عندما تتغير
القاعدة.. عندما تتغير
نجوى هاشم
يقول البسطاء عندما يتعثر أحدهم، ولا يجد من يقيله من عثرته.. أو يساعده على السقوط رغم كثرة المتفرجين.. إنه لم يُبق أحداً عندما كان يستطيع الوقوف. وكانت النساء الكبيرات تقول.. الله يهديه عندما لا تريد الشماتة بأحد، تقبح من كل واحد يوم كانت الدنيا دنيا بمعنى تقبح شتم، أو أظهر أقبح ما لديه للآخرين عندما كان قادراً على أن يمنحهم كل الطيب، وكل الأشياء الجميلة، وهم في حاجة ماسة لها، أما الآن فهو لم يعد قادراً على منح الطيب أو السيئ ولكن يحتاج إلى من يقف أمامه.. ليساعده على الوقوف.. نسي أو تناسى القاعدة الأساسية في التعامل وهي ما تقدمه اليوم، ستجده غداً.. من ستسنده هذا اليوم.. سيسندك عندما تسقط..
قد يجيب كثيرون ممن ساعدوا غيرهم لم يجدوهم عندما احتاجوا لهم.. والصحيح أن ثلاثة ممن ساعدتهم أنهم كانوا عشرة قد تجدهم بطرق مختلفة..
يقول أحدهم: (كن محباً متعاطفاً مع الناس، الذين تلتقيهم وأنت تشق طريقك إذ قد تحتاج إليهم على طريق العودة)!
وأنت تنطلق كعادتك.. تعرف كل الاتجاهات، متبادلاً المنافع مع من هم على الطريق حتى وإن لم يمنحوك شيئاً، فهم مشاركون في الاستحقاق لهذا الطريق، يتذكر أحدهم أنك لم تتوقف عندما كانت الحاجة ماسة لهذا التوقف وأنت تتذكر أن ذلك التوقف كان معطلاً لك، وكان من أوقفك لا يستحق أن تقف له.. كنت تعتقد أن من يريد شيئاً هو مستغل.. وساع إلى المنفعة وأنت لا تملك أن تنفع أحداً دون أن تتسلم مقابل ذلك حقوقك كاملة لحظتها..
تدرك جيداً الآن أنك غير قادر على منح أحدهم أي شيء.. ولا يمكنك هذه اللحظة وأنت تسكن تحت الغياب أن تمنح أحدهم ما يتوسد به، أو تعيد اختراع زمن جديد تنفذ منه إلى درب العطاءات..
التزمتَ طوال مسيرتك في التقدم، والعبور إلى الممرات الأخرى بخطاب أخلاقي أحادي وهو أن العاقل يتردد في تقديم منحة إلى من يستحق ومن لا يستحق، فمن لا يستحق عليه أن يعيش معزولاً يستقرئ واقع أيامه ويقف أمامها عاجزاً، لأنه لن يقدم المقابل فيما يطلبه، ومن يستحق عليك أن لا تنصرف قبل أن تقبض منه، لأنه عندما دفعه يعني أن لديه مشكلة وعليه أن يسعى إلى حلها، وأن يبقي المنفعة واضحة..
لم يخطر في ذهنك أبداً أنه قد يأتي يوم ولا تستطيع أن تصنع تقدمك، قد يأتي يوم ولا يمكنك التحكم في الظلال المتحركة والتي أحطت نفسك بها .. غابت الظلال.. وغاب ألق الميناء الذي كنت تعتقد أنك لن تغادره باعتبارك راسياً عليه..
لا مفر اللحظة من طلب النجدة.. بعد أن توقف في المنفى الاجباري.. وتذوق طعم الاغتراب.. وهو في مكانه.. وتحسس حاجته كإنسان.. حاجته للمساعدة من آخرين ربما يعرفهم، وربما لا يعرفهم.. يتذكر ما يقوله الناس (من قدم السبت يلاقي الأحد) وهو لم يقدم لا السبت كاملاً ولا ساعة منه، وما قدمه قد أخذ مقابله بمنطق لا يوجد شيء بلاش.. ولا أحد يعطي أحداً دون مقابل، وأعطني اليوم وأنا لا أضمن غداً.. كل شيء الآن يبدو عارياً وكئيباً.. يمنحه العزلة ويُدخله إلى أماكن بعيدة المدى من الوحشة.. الناس.. وتلك الذكريات هي ما تبقى له لكنها تظل صوراً مختلطة بالمنفعة.. ومصنوعة من العطاء العدمي.. هل يطول ما هو فيه، أم تفتح الأبواب.. ويُخرج من مكانه؟..
هذا إحساس محدود.. وضيّق الأفق لكن لا معايير أو مقاييس في الحياة فلربما لا تقدم شيئاً ومع ذلك تجد كل شيء..
|