كن المختلف دائما
لو كل إنسان اهتم بما يقال عنه أو عن ما يكتب فيه وجعل كل ذلك همه الرئيسي وشاغله الأول والأخير فإنه لن ينجز شيئا في مدى عمره أكان هذا المدى طويلا أم قصيرا.. ولن يحقق مشروعه الحياتي.. والفكري والثقافي والسياسي والاقتصادي والعلمي.
لو كل كائن في هذا الكون تحول فقط إلى متلقٍ لما يقال هنا أو هناك وتحولت ثقافته إلى ثقافة سماعية.. وتحول هو إلى أذن تسمع.. لهذه الكلمة أو تلك دون فرز لما يقال ولما يكتب لما حقق شيئا يعرفه الناس ويلتفت له الخلق ويصبح معلوما لا مجهولا لدى الآخرين رجلا كان أم امرأة.
لو كل فرد من أفراد المجتمع آثر الركون وابتعد هناك في ركن قصي .. وهو يعرف ويدرك في داخله وفي عقله ويعرف كذلك كل المحيطين به أن لديه ما يقوله وما يضيفه ويضيئه من علم ومعرفة وإبداع وفن ويمتلك الموهبة الحقيقية التي تجعله في مقدمة الصفوف الأولى وفي واجهة المجتمع ولو استمع لمن يحاولون إحباطه والنيل منه ومحاولة قص جناحيه حتى لا يحلق بعيدا وعاليا ويحقق وجوده ويفرض حضوره لن يحقق شيئا.
أستحضر هنا مقولة للروائي الكبير الراحل نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في حقل الرواية عندما سأله صديقه وتلميذه الروائي يوسف القعيد: كيف حققت هذا المجد الروائي وتلك القيمة الإبداعية والثقافية والاجتماعية دون أن تنصت لكل خصومك وأعدائك ودون أن تصغي لكل من حاولوا الإساءة إليك والنيل منك، أجاب محفوظ قائلا: «المتلفت لا يصل».
نعم إن كل من يلتفت إلى هذا الناعق أو هذا الحاقد أو ذلك الحسود أو ذلك الذي لا يملك شيئا في حياته إلا التقليل من شأن الآخرين ومحاولة تحقيرهم وتصغيرهم دون الالتفات لقيمتهم الشخصية والعلمية والمعرفية لن يصل إلى غايته ومبتغاه ولن ينجز ما يذكر في حياته على الإطلاق.
إن الإنسان لابد أن يعطي لنفسه من الاحترام والتقدير والإجلال لكي يكون هو في موقع الاحترام والتقدير والإجلال عند الآخرين، ولابد أن يعرف المرء أولا من هو ومن يكون، إذ لا يمكن أن تتحقق قيمة الفرد إلا عبر تحقيق الذات.
يقول شاعر ألمانيا العظيم جوته: «لا تتواضع لمن لا يعرف قدرك» وعبارة «جوته» هي دعوة للإعلاء من أهمية وقيمة الإنسان بوصفه عقلا يفكر وذاتا تبدع.
وأن تختلف عن الآخرين فكرا وثقافة ووعيا، بحثا عن ما هو خارج السائد وما هو متعارف ومنصوص عليه هو ما يحقق مشروعية حضورك في هذا الوجود وأن تكون كائنا مختلفا في هذا الكون.
لا تصغي لهذا ولا تنصت لذاك، ولا تتلفت حتى تصل ولا تتواضع أكثر مما يجب ومما ينبغي حتى لا تضيع وسط الجميع.
العقل الخلاق اختلاف.. والذات المتجاوزة للواقع ضوء.
احمد عائل فقيهي
نقلآ عن جريدة عكاظ
|